الهجرة - ما لها وما عليها -

الهجرة - ما لها وما عليها -

0 المراجعات

مفهـــوم الهجــرة

الهجرة في اللغة العربية لفظ مشتق من الفعل " هجر " الذي يعني الرحيل عن المكان ، أو التخلي عن شيء ما ، ومعنى هاجر أي ترك وطنه أو محل إقامته الذي يعيش فيه . وقد نظر علماء الاجتماع والباحثون إلى الهجرة من زوايا مختلفة وبالتالي ظهرت معان متعددة لمفهومها . فمنها " أنها التحركات الجغرافية التي يقوم بها الأفراد في أي مجتمع " ، ومنها " أنها انتقال الناس من بيئة محلية معينة إلى بيئة أخرى داخل الدولة الواحدة أو انتقالهم من مجتمع إلى آخر عبر الحدود السياسية أو الدولية " . وفي توضيح آخر لها تعني " انتقال البشر من بلد لآخر للبحث عن الكسب أو العيش أو البحث عن أعمال يدوية أو حرفية أو خدمات عقلية يؤدونها وأن يعيشوا فيه مدة تكفي أن يتألقوا ويتكيفوا مع أهله . ومن خلال هذه التعريفات نجدها تدور حول محور المكان الذي يعد محلاً لأحد الموضعين المتناقضين : الطرد والجذب ، فلا هجرة إلا من مكان طارد ، ولا هجرة إلا لمكان جاذب ، وقد يكون الموضع منطقة أو ناحية أو دولة

وقد لجأ الإنسان إلى الهجرة منذ أقدم العصور مثل نزوح العرب من بلاد اليمن إلى النواحي الشمالية ( الشام والعراق ) عقب انهيار سد مأرب في حدود سنة ألف قبل الميلاد ، وكذا هروب الأرمن من بطش الأتراك الغشوم .

كما لا يخفى على أحد الهجرة النبوية الشريفة حين انتقل الرسول r من مكة إلى المدينة تجنباً لأذى قريش له . وقد شمل حدث الهجرة قبل عدداً آخر من الأنبياء الذين أذن الله لهم بذلك بعد ما ضاقت صدورهم مما لحقهم من الأذى ، أو بعد بزوغ فرج الله لهم ، وفي كل هجرة يأتي الفرج .

أنـــواع الهجــــرة 

image about الهجرة - ما لها وما عليها -

 

يقسم علماء الاجتماع الهجرة إلى نوعين رئيسيين هما : الهجرة الداخلية ، والهجرة الخارجية .

1- الهجرة الداخلية : هي هجرة السكان من منطقة إلى أخرى في داخل المجتمع . مثل الهجرة من الريف إلى المدينة والتي يرى دورسي أنها تكمن في أربعة أسباب هي أن يختار المهاجر إلى المدينة من العناصر الممتازة في الريف أو من العناصر السيئة في الريف أو بطريقة عشوائية أو من العناصر السيئة والممتازة معا([4]) . وتكون الهجرة 

الداخلية أسهل وأقل تكلفة حيث الانتقال لمسافات قصيرة ، وتكون أكبر حجما وتخلو من 

الأمور المتعلقة بالخروج أو الدخول من دولة إلى أخرى مثل الحصول على تأشيرة السفر . فضلاً عن أنها لا تواجه عائق اللغة .

  وتتأثر الهجرة الداخلية بعدة عوامل منها شكل الدولة وتنظيمها الداخلي وحجمها ، وهنا يبرز العامل الجغرافي ، فكلما كانت الدولة كبيرة المساحة وتحتوي على أقاليم مناخية وبنائية متعددة ، ساعدت على تحركات السكان الداخلية وذلك في عدم ازدحام الدولة بالسكان .

2- الهجرة الخارجية : هي انتقال أفراد المجتمع إلى مجتمع آخر طلباً للعمل أو فراراً من الاضطهاد وتطلعاً لفرص أحسن في الحياة . وتتسم الهجرة الخارجية عادة بطول المسافة التي يقطعها المهاجرون سواء كانت هذه المسافة من دولة إلى أخرى أو من قارة إلى أخرى . غير أنه لا يمكن اعتبار المسافة هي الفاصل إذ قد يقطع المسافر مسافات قصيرة لا تتجاوز بضع عشرات من الكيلو مترات بين الدول المتجاورة .

ومن الأسباب الدافعة للهجرة الخارجية سياسات العمل في الدول الباعثة والدول المستقبلة، أو هجرة الكفاءات المتمثلة في هجرة الشباب المتعلمين من الدول النامية إلى الدول الصناعية ، أو بسبب الصراعات السياسية الدافعة للهجرة عبر الحدود ، مثل هجرة الأفارقة إلى أوربا . ونزوح السوريين إلى الأرض التركية .

تصنيــف الهجــرة

تصنف الهجرة إلى عدة أنواع سواء من حيث إرادة القائمين بها أو من حيث الوقت الذي تستغرقه عملية الهجرة أو من حيث تصنيفات العلماء لها .

1- تصنف الهجرة بحسب إرادة القائمين بها إلى :-

أ- الهجرة الإرادية : هي التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات بإرادتهم في التنقل من مكان إلى آخر دون ضغط أو إجبار رسمي . حيث يختار الفرد مكان هجرته بنفسه حسب الظروف والأسباب التي تتعلق بأوضاعه الخاصة .

ب- الهجرة الاضطرارية : هي إجبار السلطات لبعض الأفراد أو الجماعات على النزوح من منطقة معينة أو إخلائها خشية الكوارث أو الحروب .

2- تصنف الهجرة بحسب الوقت الذي تستغرقه إلى :-

أ- الهجرة الدائمة : هي انتقال الأفراد من منطقة إقامتهم إلى الاستقرار في منطقة أخرى بصفة نهائية . وهنا ينفصل المهاجر عن الوطن الأم انفصالاً تاماً بعد أن يلائم حياته مع البيئة الجديدة ويتغلب على صعابها .

ب- الهجرة المؤقتة : تمثل انتقال الأفراد أو الجماعات من منطقة إلى أخرى انتقالاً مؤقتاً . حيث يغادر بعض المهاجرين للعمل في مكان آخر لفترة من الزمن ثم يعودون إلى مواطنهم الأصلية مرة أخرى .

3- تصنف الهجرة بحسب فصليتها ويوميتها إلى :-

أ- الهجرة الفصلية : حيث تتراوح الإقامة في الوطن الجدد من ثلاثة إلى سبعة شهور مثل هجرات الباعة الجائلين أو هجرات البعض إلى المرتفعات صيفاً لممارسة الرعي أو العمل بموسم الاصطياف .

ب- الهجرة اليومية : هي التي تظهر نتيجة للتقدم التكنولوجي وتطور حياة الإنسان وأنشطته ووسائل النقل الحديثة . فحينما يقام مصنع أو أحد مكاتب الخدمات العامة أو أحد البيوت التجارية فإنها تكون وسائل جذب لأعداد كبيرة من السكان .

أسبـاب ودوافـع الهجـرة

تتشابك أسباب ودوافع الهجرة من بلد إلى آخر وتنقسم هذه الدوافع إلى اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية .

1- الدوافع الاقتصادية وتتمثل في :-

أ- زيادة واردات الدولة من العملات الأجنبية مما يساهم في تنفيذ خطط التنمية وحل المشكلات الاقتصادية وتقويم الخلل في ميزان المدفوعات .

ب- المساهمة في تدني مستوى البطالة من خلال زيادة فرص العمل للأفراد في أرض الوطن ، وزيادة نصيب الفرد من الثروة الوطنية ، وتقليل الخدمات الملقاة على كاهل الدولة .

ج- تحسين الوضع الاقتصادي للمهاجر سواء في شك زيادة الدخل والمدخرات والممتلكات أو رفع مستواه المعيشي بوجه عام .

2- العوامل الاجتماعية وتتلخص في :-

أ- سهولة الحياة في دولة الإعارة في مقابل صعوبة التوائم مع المجتمع الأم .

ب- الرغبة في التجديد والبعد عم مشاكل الحياة اليومية وتوفير العمل المريح .

ج- وجود هيكل خدمات مرتفع المعيشة في مجتمع يمتاز بقدر كبير من النظافة والنظام .

3- العوامل السياسية وتتمثل في -

أ- عدم الثقة بالشعارات السائدة في مجتمعه ، وعدم ملائمة الأوضاع السياسية الداخلية .

ب- تعارض اتجاهات المهاجرين مع الاتجاهات الفكرية السائدة في موطنهم الأصلي .

ج- التعرض للاعتقال السياسي والعزل من العمل .

د- الاضطهاد الديني للأقليات وعدم توفير الأجواء المناسبة لممارسة شعائرهم .

4- العوامل الإدارية وتتمثل في :-

أ- المركزية الشديدة حيث تتركز المؤسسات الحكومية في العواصم والمدن .

ب- تهميش دور ذوي المؤهلات العليا وأصحاب الخبرات عند اتخاذ القرارات .

ج- انتشار المحسوبية وتخطي الكفاءات أثناء الترقية فيعم الإحباط .

- وبالحديث عن الهجرة الداخلية فنجد أن أسبابها تتمثل في :-

1- إن المدن تعد أكثر تنظيما من الريف من حيث طريقة البناء وأسلوب الحياة العري وتوفير المرافق العامة .

2- إن نمط التعامل بين السكان في المدن مبني على أساس احترام حريات  الآخرين بعكس الريف الذي غالبا ما تحكم علاقات أفراده البساطة والعفوية .

3- إن شبكة الطرق المعبدة داخل المدن تسهل حركة التنقل فضلاً عن انتظام خطوط المواصلات العامة .

4- البحث عن الحرية الفردية والشعور بالاستقلالية والتعبير عن الذات وهروب المرأة من العادات التي تحط من قدرها في الريف كل هذه أمور تجعل المدن ملاذاً آمنا للإقامة والاستقرار .

5- تمتاز المدن بتمركز الدوائر الحكومية التي تقدم الخدمات المختلفة ، وكذا انتشار الأماكن العامة كالحدائق والمطاعم وأماكن الترفيه . مما جعلها مراكز جذب للكثيرين من أبناء الريف .

سلبيــات الهجرة 

تتسبب الهجرة بنتائج وآثار سلبية منها ما هو اجتماعي ، ومنها ما هو ديموغرافي ، ومنها ما هو اقتصادي ، ومنها ما هو سياسي :-

1- الآثار الاجتماعية السلبية للهجرة :-

   تعتبر الهجرة ظاهرة اجتماعية لها آثارها الاجتماعية هي وإن كانت ظاهرة مشروعة ووسيلة لكسب العيش ، فإنها :-

   أ- تدفع المهاجر إلى أن ينفصل عن بلده الأصلي ويصبح في شبه عزلة تامة على أراضي جديدة تختلف في معيشتها عن موطنه الأصلي .

   ب- تؤثر على أنماط الزواج والأسرة والأوضاع الاجتماعية ، إذ تضطلع النساء بمسئولية رب الأسرة .

     ج- ارتفاع نسبة الجرائم والسرقات في مناطق الجذب .

د- تجعل الفرد يتخلى عن بعض عادات وتقاليد بلده أمام عادات وتقاليد قد تكون مخالفة لتلك التي تعوَّد عليها في وطنه . 

هـ- تجعل المهاجر يشعر بالمهانة نتيجة لما يلقاه من إساءة معاملة من أبناء الدول التي يهاجر إليها .

2- الآثار الديموغرافية السلبية للهجرة :-

   وتتمثل في تغيير مظاهر النمو الديموغرافي وأعداد السكان وخصائص تركيبتهم المعهودة ، حيث قد ينقص عدد السكان في المناطق الطاردة بشكل غير متوازن . فمثلا قد ينقص أعداد الذكور أو عدد السكان في سن الشباب تاركين وراءهم خللاً في بنية التركيب السكاني أو ما يسمى بالهرم السكاني ، ونفس الأمر في المناطق الجاذبة للمهاجرين .

3- الآثار الاقتصادية :-

 وهي المرتبطة بأعداد القوى العاملة والكوادر المؤهلة ، والتأثير في سوق العمل والبطالة ، وزيادة نسب الاستهلاك والادخار ، وتقل الكوادر المؤهلة ( هجرة الأدمغة ) . بينما في المناطق المستقبلة تزداد أعداد القوى العاملة وترتفع البطالة وتنخفض الأجور .

4- الآثار السياسية السلبية للهجرة :-

وهي التي قد تنجم عن اختلاف الثقافات ، وما قد يواجه المهاجرين من تمييز عنصري حسب الموطن الأصل أو اللون أو العرق . وبجانب ذلك ففي حالات اللجوء القسري والإنساني نتيجة الحروب أو الكوارث البيئية تتفاقم المعاناة الإنسانية للاجئين ، حيث إنهم يفتقدون أبسط مقومات الحياة البسيطة للنجاة ، وحينئذ تعجز منظمات الإغاثة والجمعيات الخيرية عن معالجة الأمر بالشكل والسرعة المطلوبين وذلك لقلة الإمكانيات وصعوبة الوصول إليهم في مناطق النزاع . وهنا تصبح الفئات المهاجرة الضعيفة معرضة للخطر ودون حماية مثل النساء والأطفال .

الهجرة كمشكلة اجتماعية بين الريف والمدينة 

إن الهجرات المتوالية من الريف إلى المدينة تولد العديد من المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تنجم عن زيادة الأفراد المهاجرين من ناحية وعن حجم الخدمات الاجتماعية المتاحة من ناحية أخرى . فنتيجة للهجرات ازدادت كثافة السكان في المدينة فتلوثت البيئة وزادت البطالة المقنعة وانخفضت الأجور والدخول وارتفعت تكاليف المعيشة .

وبسبب تلك الهجرات أخذت العادات والقيم التي يحملها المهاجرون معهم إلى المدينة تختلف إلى حد كبير عن المعايير السلوكية التي توجه سلوك الناس في المدن . وغالباً ما يقع هؤلاء المهاجرون في صراع بين المحافظة على القديم ومسايرة الجديد . يضاف إلى ذلك أن المهاجر كان يعيش في القرية وسط أسرة ممتدة كبيرة الحجم توفر له الأمن والأمان ، وتقوم بدور الوسيط بينه وبين الآخرين . أصبح وضعه مغايراً لما يقوم به من تصرفات وأعمال فكل ما يصيبه من نجاح أو يقع فيه من فشل إنما هي أمور تخصه دون غيره مما جعله يحس بالغربة ويشعر بالحيرة والضياع .

كما أن تيار الهجرة المتدفق إلى المدن وبخاصة الصناعية منها يصاحب احتقان بشري تبدو مظاهره في ازدحام حركة المرور ، وتكدس مركبات النقل ، وقلة المساكن وازدحام يضاف إلى ذلك عجز المؤسسات والهيئات القائمة في المدينة عن تقديم الخدمات الكافية لكل السكان فظهرت الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية التي تزداد فيها نسب الجريمة والانحراف .


 


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة