أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

0 المراجعات

وجد اليونانيون بإزاء  الكنوز الثمينة من اللجين والعقيان، والجواهر والذهبان، والأبنية التي كانت تناغي الكواكب، وتسامي الدراري الثواقب، كنوزا أدبية أثمن قيمة، وأغلا ثمنا، وأصلح لإقامة الحياة الإنسانية، وأليق بعواطف الفطرة البشرية، وهي نتائج أفكار تلك الأمم القديمة، التي كان يتكون منها الملك الفارسي الضخم ، من الكلدانيين والبابليين.

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

ووجد اليونانيون في بلاد البابليين من ذخائر العلوم الفلكية، جواهر لا توازيها الجواهر، وكنوزا دونها الذهب الباهر، كأسباب الخوف والكسوف، وطرق معرفة أوقات حصولهما بالضبط، وعثروا على جداول توضع مواقع النجوم، ومواضعها من الأجواء، مع بيان ثبات ثابتها، وحركة متحركها، والمعادلات الرياضية النافعة، مما لايكفي في العثور عليه القرون المتطاولة. 

رأي اليونان كل هذا، ولا تسل عما أحدثه على عقولهم ونفوسهم، وهم قوم لم يكونوا لذلك الحين اعتادوا من أعمال المواهب الأدبية غير التأملات المطبوعة بطابع الأساطير الوهمية.

عاش اليونانيون، وهم بين يدي كهان الهياكل، وسدنة المعابد، أفكارهم أسرى تعاليمهم، وعقولهم وقف على تصديقهم، كأن رؤساءهم أرواحهم التي بها يتحركون، ومشاعرهم التي بها يشعرون ويتأثرون .

 ورأوا تعاليم ديانة (ذوروواستر) الفارسي الذي ولد، كما يدعى اليونانيون، قبل زمن جاهليتهم بخمسة آلاف عام، ولم يهتد العلم التاريخي إلى تحديد زمن وجوده. وأول تعاليم تلك الديانة، فرض وجود إلهين مستقلين يحكمان الوجود، إله للخير، وله سبعة أعوان عظامن يتلقون أوامره ، يصرفون القوى الخاضعة لهم إلى الوجهة التي يريدونها، وإله الشر ، وهو متسلط على عالم الظلمة وله أعضاء سبعة كالأول يوازرونه في تصريف شؤون عالمه الظلماني.

سبح فكر اليونانيين من الثمرات الفلسفية، في بحار تتراوح أمواجها، وتتقاذف تياراتها، فذهبت بأفكارهم مذاهب شتى، وانتجت بمدركاتهم مناحي بعيدة، وصارت لعقولهم صقالا جلت عنها غاشيات الجمود.

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

وفاة الإسكندر المقدوني:

توفي بعد أداء هذه الفتوحات الباهرة في سنة (323 ق.م) ، ولم يجاوز سنه الثلاث والثلاين سنة، فأعقبت موته فتن قامت لها دولته وقعدت أكثر من عشرين سنة، ثم انتهت بتجزؤ ملكه إلى ثلاثة أقسام:

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

القسم الأول: مقدونيا.

القسم الثاني: آسيا الصغرى.

القسم الثالث: مصر.

وقعت مصر في هذه القسمة، نصيبا لبطليموس أخي الإسكندر من أبيه، وهو إن لم يكن في مقام الإسكندر، من حيث قيادة الجيوش، وفض المعاقل والحصون، إلا أنه مؤسس دولة العلم، وغارس علمه، وهو أمر جعل اسمه مقرونا بالإعجاب والإكبار، في تاريخ الحكمة والعرفان.

اتخذ هذا الملك مقر ملكه مدينة الإسكندرية، التي بناها أخوه الإسكندر. وكان قد علم، أنها ستكون نقطة الاتصال بين الغرب والشرق، وحشر إليها أمة من اليهود رجاء تعميرها، فلما اتخذها بطليموس هذا الملقب ( سوتير) ، مقر ملكه وعش دولته، بعث إليها مائة ألف من الإسرائيليين ، وأظلهم هم وأهلها الأصليين بأجنحة النظامات والقوانين العادلة، والمساواة النادرة المثال . 

فلم يمض عليهم طائفة من الزمن، حتى تهاطل اليونانيون إليها من كل حدب، طمعا في الحياة تحت ظل هذه الحكومة العادلة، في خفض من العيش، وأمان من الظلم، وبهذا أصبحت الإسكندرية وأهلها من ثلاث طوائف: المصريون الأصليون، واليهود المستعمرون، واليونانيون المهاجرون، والكل عائشون في سلام ووئام.

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

دار آثار الإسكندرية وكليتها العامة:

وضع هذا المشروع بطليموس سوتير في أجود بقاع الإسكندرية هواء، وأحسنها منظراً ورواء. وأتم بناءها ابنه (بطليموس فيلادلف)، ولا عجب بعد هذا، في دار يتولى أمرها ملكان، ويبذلا دونها خزائن العقيان، ويقفا عليها قرائح المهندسين العظام، والصناع الكبار.

كان الغرض من إقامة معالم هذه الدار، ثلاث أمور مهمة: (أولاها) صيانة ثمرات العقول والأفكار الإنسانية من أن تغتالها يد الضياع، و(ثانيهما) إنماء تلك الثمرات، واستثمار جراثيمها على مقتضى ناموس الترقي. و(ثالثها) نشرها بين العالم، وإشرابها للعقول لتحسين حال الحياة الإنسانية.

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

أما العلوم كلها في هذه الجامعة، فكانت تنقسم إلى أربعة أقسام: 

القسم الأول: العلوم الأدبية.

القسم الثاني: العلوم الرياضية.

القسم الثالث: العلوم الفلكية.

القسم الرابع: العلوم الطبية. 

دستور العلوم الطبيعية في كلية الإسكندرية:

image about أثر فتح فارس على علم اليونانيين وفلسفتهم

بالنسبة لما كان بين الإسكندر وأخيه بطليموس، وبين الفيلسوف الشهير أرسطو من المحبة الأكيدة، سادت تعاليمه وأفكاره في زمانيهما، وكان لها السهم العالي من الإجلال والإعزاز، حتى أنه لما تم بناء مدرسة الإسكندرية، جعل دستور التعليم فيها مطابقا لدستور الفيلسوف أرسطو، وأسلوب البحث تابع لأسلوبه.

وقد كان النظر في الحوادث الجزئية، ثم التدرج منها إلى الأمور الكلية على معراج الاستدلال والاستقراء ، ومن كان هذا أسلوبه في مباحثه احتاج إلى مشاهدات كثيرة، وأعوزه الدأب والسهر وراء اصطياد نوادرها وتقييد شواردها .

دستور العلوم الأدبية في كلية الإسكندرية:

بينما كانت العلوم المادية تابعة أسلوب فيلسوف أثينا في كلية الإسكندرية، كانت العلوم الأدبية سائرة على مقتضى فلسفة (زينون)، التي كان لها المقام الأول مدى قرون كثيرة، في تعزية الإنسان على مصائبه، وتشجيعه على خوض غمرات الحياة.

أول غرض وجه (ذينون) إليه سائر قواه، ووضعه نصب عينه، هو إيجاد قاعدة حكيمة، إذا سار عليها الإنسان، أدته إلى كمال الفضيلة، وأجلسته على كرسي السعادة والطمأنينة. الأساس الذي بنى عليه هذا الفيلسوف هو التربية، فقد سمع يقول:" إذا كنا نعرف الخير، لمللنا إليه ميلا فطريا، وعملنا به لا محالة. فيلزمنا أن نركن إلى مشاعرنا في تهيئة العلوم الأولية لنا.

إنا لنرى أن كل ما حولنا من العالم، ينتابه التغير والتحول، وإن الموت يعقب الحياة، وإن الحياة تعقب الموت، أما الروح فهي شعاع من الشمس الحيوية التي هي الأصل العام لجميع الكائنات، وهي تنتقل كالحرارة من فرد إلى فرد، وتنتهي بأن ترجع ثانيا إلى محتدها العام التي جاءت منه. وبناء عليه، فليس حظنا بعد الحياة العدم والزوال، بل الاجتماع والانضمام.

المرجع:

ص ص : 112-103

الإسلام في عصر العلم، محمد فريد وجدي، دار الكتاب العربي، بيروت: لبنان، الطبعة الثالثة، 1967م

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

162

متابعين

583

متابعهم

6650

مقالات مشابة