المواطنة الرقمية من منظور تربوى

المواطنة الرقمية من منظور تربوى

0 reviews

أصبح عالم اليوم يعج بالأجهزة التكنولوجية المختلفة من هواتف ذكية وأنواع متعددة من الكمبيوتر الأخذة في التطور، فضلاً عن شبكة الإنترنت، وكل ذلك يشكل ما يطلق عليه في وقتنا المعاصر العالم الرقمي، وهذا العالم يستخدم فيه الأشخاص التكنولوجيا بانتظام ويتحدثون في هذا السياق بلغات مختلفة، وليس المقصود هنا اللغات المتعارف عليها كاللغة العربية أو الإنجليزية وغيرها؛ بل المقصود اللغة التكنولوجية أو ما يمكن تسميتها باللغة الرقمية؛ فأصبح هناك مشكلة تفرض نفسها وهي كيفية التعامل مع هذه الفئة التي قد تتمثل في الأبناء أو الطلاب أو الزملاء في العمل.
فكيف نتعامل مع العالم الرقمي بكل ما فيه من صور تكنولوجية متطورة ونتكلم بنفس لغة الأشخاص اللذين يشكلونه، وهذا الأمر غاية في الضرورة للجميع وبشكل خاص للتربويين حتى يتسنى لهم توظيف التقنية في الطرق الصحيحة ووفقاً لقواعد أخلاقية سليمة، مع مراعاة الضوابط الدينية والقانونية، التي تعمل على الحد من سلبيات التقنية على النشئ؛ للإرتقاء نحو ثقافة مجتمعية واعية ومستنيرة تساعد المجتمع على النهوض والتقدم ومسايرة المجتمعات الحديثة، حيث أصبحت التكنولوجيا جزءً مهماً لا يستغنى عنها في نسيج حياتنا لما تقدمه من تسيير أنشطة حياتنا اليومية، بل ويتعدى الأمر ذلك حيث أنه من المتوقع في المستقبل أن تتغير مهارات العمل الرئيسة بمختلف أنواعه لتتخطى حدود التدخل اليدوي أو الاعتماد الجزئي على التكنولوجيا، إلى الاعتماد بشكل أساسي علي التكنولوجيا بأشكالها المتعددة حسب السياق الوظيفي او التخصصي الذي تستخدم فيه.
مفهوم المواطنة الرقمية:
يعتبر هذا المفهوم من المفاهيم التي ظهرت حديثاً وهو من إفرازات العصر الرقمي الذي نعيشه، وللتعمق أكثر في معناه كان لابد من الرجوع إلى الأصل اللغُوي المكون لكلماته وتفصيلها كل كلمة على حده؛ حيث يفيد ذلك في بيان مدلول كل كلمة وفهمها بشكل كافي عند جمعهما معاً. وتعرف كلمة المواطنة لغةً: بأنها مصدر وَطَّنَ: ويشار بها إلى البلد الذي يتخذه الإنسان مَحَلاً، وسكناً يقيم فيه. كما تشير إلى معنى أخر وهو وَطَّنَ الإنسان نفسه على الأمر أي: حملها عليه، وانتهجه، ويقال: تَوُطَّنَتْ نفسه على الشيء. وورد أيضاَ أن مُوَاطّـــن: هــــو اســـم المفعـــول من واطَـــنَ، ومُواطِـــن: فاعل من واطَــنَ، ومُواطنة: مصدر وَاطَـــنَ، ويقــــال أيضاً: وَاطَنَـــــهُ علي الأَمْــــر أي أضمـــر بداخــل نفســــه أن يقوم به أو ينفذه أو يفعلهُ معهُ أو وافقهُ عليه، ووَاطَنَ سكان البلد بمعنى عاش معهم في وطن واحد. وكلمة رقمية: اسم مؤنث منسوب إلي رَقْمُ: وهو علامة مميزة يشار بها إلى شيء معين، والشبكة الرقمية: هي شبكة اتصالات عالمية متطورة عن الخدمات الهاتفية الموجودة، ويقال: واجهة رقمية: وهي واجهة تسلسلية تسمح بوصول المركبات الموسيقية، والحواسيب. واللغة الرقمية: هي لغة تعدَّ خصيصاً طبقاً لقواعد معينة لتستخدم في الحاسبات الإلكترونية كوسيلة للعمل بها. وكلمة رقمية: مصدرها رقم وهي مرادفة لكلمة كود في المعني: وكان يستخدم écrituresecrète:chiffre، في القرن الخامس عشر بمعني كتابة سرية، فالرقم هو أيضاً كود خاص يؤمن سرية إرسال الرسائل بين اثنين، والترقيم هو استعمال كود لترجمة السمات والرموز والمعلومات، والإفصاح بشكل رقمي عن المعطيات النظرية، بهدف إخفاء المعني عن كل شخص من غير اللذين يعرفون تخطيط الشيفرة. 
ويشير قاموس كامبريدج تفصيلاً أن المواطنة: هي المعيشة في مكان أو منطقة معينة والتصرف بطريقة تفي بتوقعات المجتمع المحيط في إطار الحقوق والواجبات. وتعني رقمي: التقاط وتسجيل المعلومات أو تخزينها أو على شكل سلسلة من الأرقام أو الاشارات بشكل خفي في البيئات التكنولوجية . والمواطنة الرقمية.Digital.Citizenship.هى  إجمالا: أن يكون الشخص ماهراً في استخدام الإنترنت في إجراء التواصل مع الآخرين وعمليات البيع والشراء، والمشاركة في السياسة، ويكون واعياً لكيفية القيام بذلك بطريقة أمنة ومسؤولة. 
وتعرف المواطنة الرقمية اصطلاحاً كما أشارت منظمة "اليونيسكو" بأنها امتلاك الأدوات والمهارات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات للإشتراك في أنشطة المجتمع الرقمي، مثل الدخول علي المواقع الحكومية عبر شبكة الانترنت، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام الهاتف المحمول. كما تشير المنظمة في تعريف آخر بأنها تشمل علي الأهداف الأساسية للدراية الاعلامية والمعلوماتية الرامية إلي تطوير المهارات التقنية لدي مستهلكي الإعلام المنشور علي الإنترنت ومنتجيه ويربط هذه الأهداف بالشؤون الأخلاقية والمدنية الأوسع نطاقاً.
استخلاصاً

 لما سبق يتضح أن المواطنة الرقمية أسلوب حياة يحتاج إليها كل شخص وبخاصة النشئ؛ حيث تمثل طريقة مبتكرة للتفكير في العالم الرقمي من حيث توجيه التركيز علي كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل ملائم ومسؤول، بدلاً من التركيز علي ما تفعله. كما أنها ليست قوانين وقيود لتضييق الخناق علي المستخدمين في العالم الرقمي؛ بل تمثل إضاءات أو تصحيح مسار لعدم الانحراف والسقوط في المخالفات الدينية والأخلاقية أو الأعراف المجتمعية السائدة؛ حيث أنه يوجد في بعض المجتمعات الأجنبية أشكال من التفاعل مع التقنيات الحديثة لا تتناسب مع مجتمعنا العربي الاسلامي. وبذلك يمكن تعريف المواطنة الرقمية علي أنها إطار عام يتضمن مجموعة من القواعد والضوابط المنبثقــــة مــــــن المــعايير الأخلاقيــــــة والقابلية المجتمعية في الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا، وهي بذلك تشكل بصيرة داخلية تساعد المستخدمين في العالم الرقمي على تجنب الأخطار والحماية منها والتوجه بالتوازي مع ذلك نحو المنافع والمكتسبات، وأنها حالة داخلية نابعة من داخل المستخدم بإتباع قواعد السلوك الصحيح في التعامل مع التكنولوجيا، وهي سلوكيات مكتسبة يتم تعلمها من هنا تبرز أهمية منظومة التربية والتعليم ومؤسساتها المختلفة في ترسيخ ثقافة المواطنة الرقمية في نفوس الطلاب وتنميتها جنباً إلى جنب مع المناهج التعليمية والأنشطة. 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

1

followers

0

followings

1

similar articles