ملخص كتاب " شخصيات خطرة " جو نافارو ، توني شارا بوينتر .
[ المقدمة ]
من غير الممكن أبدًا أن تقوم حياة أيٍّ منّا على الوحدة، فلم يسبق لأحدٍ أن عاش حياةً سعيدةً لوحده؛ بل على العكس فقد أجهزت الوحدة على حياة الكثيرين؛ باعتبار أنّ الحياة تغدو أجمل عندما نتشاركها مع الآخرين، إلّا أنّ المعضلة تكمن في اختيار الشّخوص الّذين نتشارك وإيّاهم هذه الحياة، فمع هذا الكمّ الهائل من الأقنعة الحياتيّة أصبحنا بحاجةٍ إلى قوًى خارقةٍ تمكّننا من كشف ما تخفيه هذه الأقنعة، فكم من ابتسامةٍ حجبت رؤية مكيدةٍ ما، وكم من خيانةٍ تنكّرت برداء الأمانة.علينا جميعًا إدراك أنّ مسؤوليّة اختيار أولئك الّذين نتقاسم معهم الحياة تقع بالكامل على عاتقنا؛ إذ إنّها حياتنا ويحقّ لنا اختيار شخوصها لتسير وفق النّهج الّذي نودّ أن نحيا به.
[ قناع النرجسية ]
تعرّف النّرجسيّة - بصورةٍ عامّةٍ - على أنّها السّعيّ الدّائم إلى التّميّز ولفت الأنظار؛ حيث يظهر هذا الأمر جليًّا من خلال أساليب شخوصها في الحديث، وكيفيّة تعاطيهم مع مختلف المواقف والأحداث، إلّا أنّنا بصدد الحديث عن النّرجسيّة الّتي تحمل في طيّاتها نوايا خطرة، تلك الّتي يلجأ شخوصها إلى الكذب والخداع، وفي بعض الأحيان إلى تزييف الحقائق في سبيل الحصول على التّميّز الّذي يطمحون إليه، فهم بذلك يستبدلون العمل الدّؤوب والسّعيّ المستمرّ بتلك الأساليب الملتويّة.
تكمن خطورة الشّخصيّات النّرجسيّة بالطّرق المتّبعة في سبيل تحقيق ما يطمحون إليه؛ إذ تتميّز هذه الشّخصيّات بقدرتها الكبيرة على تحديد نقاط الضّعف ومواطن انعدام الأمان الّتي يمتلكها الشّخص الآخر، إضافةً إلى سعيهم الدّائم للتّقليل من شأن أولئك الّذين يتعاطون معهم بشكلٍ مستمرٍّ، فعلى سبيل المثال؛ قد يطري النّرجسيّ على ساعة زميله ثمّ يتبع هذا الإطراء بمقارنتها بساعةٍ باهظة الثّمن بغرض التّقليل من شأن ما يملكه زميله.
إنّ أحد أبرز الطّرق الّتي يلجأ إليها النّرجسيّ في التّقليل من شأن كلّ من يتعامل معه تتمثّل بالتّنمّر؛ إذ أنّه لا يكترث أبدًا لمدى الجرح المعنويّ الّذي قد تخلّفه كلّ كلمةٍ يلقيها في نفس متلقّيها؛ وعليه يجب على كلّ من يتعامل معه ألّا يتيح له فرصةً تساعده على التّقليل من احترامه، وإن حصل هذا الأمر؛ عليه ألّا يتهاون في استخدام جميع الأساليب والطّرق الممكنة للتّصدّي له.
[ قناع التقلب العاطفي ]
لا يوجد ما هو أسوأ من تقلّب المزاج العاطفيّ؛ لأنّ أثره ينعكس بشكلٍ سلبيٍّ على صاحبه وعلى المحيطين به، فتجد صاحبه تارّةً على قدرٍ عالٍ من التّفاؤل وما يلبث إلّا قليلاً حتى يتحوّل إلى الكآبة دون وجود أيّ سببٍ يستدعي ذلك؛ وعليه فإنّ خطورة هذه الشّخصيّات تكمن بعدم القدرة على الكشف عن نواياها بسهولةٍ؛ والسّبب في ذلك يعود إلى أنّ الجميع معرّضٌ لمثل هذه التّقلّبات الّتي لا حصر لأسبابها.
إنّ نقطة التّشابه الّتي يلتقي عندها كلٌّ من الشّخصيّة النّرجسيّة والشّخصيّة ذات المزاج العاطفيّ المتقلّب تتمثّل بأنّ كلاهما قد يلجأ إلى الخداع وتزييف الحقائق بطرقٍ وأساليب متعدّدةٍ إلّا أنّ دوافعهما مختلفةٌ؛ فالنّرجسيون يلجأون إلى مثل هذه التّصرفات لاعتقادهم بأنّهم مثاليون ويحتاجون إلى معاملةٍ خاصّة، بينما أصحاب المزاج العاطفيّ المتقلّب؛ فدوافعهم تتمثّل بالحاجة الماسّة إلى الدّعم المستمرّ وما ينبثق عن ذلك من شعورٍ بالأمان.
يتميّز أصحاب المزاج العاطفيّ المتقلّب بسماتٍ معيّنة؛ فهم دائمًا يحاولون إلقاء اللّوم على الغير، إضافةً إلى تهديدهم الدّائم بالانتحار أو التّسبّب بأيّ نوعٍ من أنواع الأذى، وعليه؛ فإنّ الطّريقة المثلى للتّصديّ لهم تكمن بتجنّبهم والابتعاد عنهم، وإن لزم الأمر لا بدّ من قطع العلاقة معهم بشكلٍ كامل.
[ قناع العظمة ]
هل صادفت يومًا ذاك الّذي حوّل حديثكم إلى مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ فأخذ هو دور الضّيف والمذيع معًا، في حين أنّه ألزمك بممارسة دور المتفرّج الصّامت؟ ماذا عن تلك الشّخصيّة المتطفّلة الّتي تقحم نفسها بالأحاديث عنوةً؛ إذ أنّها تعشق مبدأ الكلام لأجل الكلام. ترى ما رأيك بها؟ وما الّذي يتركه في نفسك أولئك الّذين يتقمّصون دور الحلقة الأضعف؟ فهم لا يملّون أبدًا من الإشفاق على أنفسهم وإلقاء اللّوم على الغير.
غريبةٌ هي الشّخصيّات المصابة بجنون العظمة؛ حيث أنّ هذه الصّفة غالبًا ما تنتج عن خوفٍ غير عقلانيّ، إضافةً إلى انعدامٍ شديدٍ في الثّقة، الأمر الّذي يؤدّي إلى تجرّد تفكيرهم تمامًا من المرونة، فهم يتشبّثون بآرائهم وأحكامهم على النّاس، وممّا يزيد الأمر سوءًا أنّ هذه الشّخصيّات ولشدّة انعدام الثّقة لديهم، فهم يظنّون دومًا بأنّ من يحسن إليهم يخفي خلف هذا الإحسان مكيدةً من شأنها أن تجهز عليهم.
يتميّز أولئك الّذين يتّصفون بجنون العظمة بقدرتهم الكبيرة على قتل مشاعر الفرح والمتعة لدى من يحتكّ بهم، فهم في حالة طوارئٍ دائمةٍ تستدعي خوف وقلق كلّ أولئك الّذين يحيطون بهم ممّا يجعلهم سريعي الانفعال، والجدير بالذّكر أنّ هؤلاء يتشابهون مع شخوص التّقلّب العاطفيّ؛ فكلا الفئتين لا تتجاوز عن أخطاء الغير، فهم غير متسامحين بطبيعتهم، الأمر الّذي يدفع الكثيرين إلى تجنّبهم وعدم التّعامل معهم.
[ قناع الافتراس ]
إنّ أكثر الشّخصيّات خطورةً، والقناع الأصعب في اكتشافه...المفترسون أو الاستغلاليون؛ حيث أنّ هذه التّسميّة اشتقت من الفعل الّذي تقوم عليه حياتهم... أجل إنّهم يعشقون الاستغلال بصرف النّظر عن الأداة أو الوسيلة المتّبعة في الإقدام على ذلك؛ فقد ينهبون أو يسرقون أو يدمّرون حياة الآخرين؛ إذ أنّ نهجهم قائمٌ على استغلال الأشخاص والأماكن وكلّ ما قد يعود عليهم بالفائدة.
تكمن خطورة الشّخصيّات المفترسة بصعوبة الكشف عنها، فقد تكون هادئةً ولطيفةً إلى حدٍّ كبير، كما أنّها قد تغدو ناجحةً بشكلٍ لافت؛ ممّا يوضّح حقيقة أنّ النّجاح لا يحول دون تحوّل المرء إلى شخصيّةٍ مفترسةٍ، يتميّز أصحاب هذه الفئة ببرودة أعصابهم ولامبالاتهم، وما يثير الاستغراب أنّهم قد يقدمون على ارتكاب أبشع وأفظع الجرائم دون أن يشعروا بأيّ ذنبٍ، ودون أن يظهر عليهم أيّ أثر، إضافةً إلى كونهم يتقنون التّلاعب بالكلمات، ولديهم قدرةٌ رهيبةٌ على الإقناع.
يستهدف أصحاب الشّخصيّات المفترسة أولئك الّذين يختلفون عنهم إلى حدٍّ كبير، فهم يستهدفون الّذين يقدّمون يدّ العون لأيّ شخصٍ بصرف النّظر عن مدى معرفتهم به، إضافةً إلى الأطفال الّذين يثقون بسهولةٍ في الغرباء، فيجدونهم فريسةً سهلة الاصطياد. يذكر أنّ هذه الفئة تحديدًا لا يوجد ما يردعها؛ فهي لا تلتزم بالقوانين ولا تمتلك أيّ مبادئٍ، إضافةً إلى كونها مجرّدةً بشكلٍ شبه كاملٍ من أيّ نوعٍ من أنواع الإنسانيّة.
[ مزيج من الأقنعة ]
نحن مزيجٌ من عددٍ لانهائيٍّ من الشّخصيّات، فإن أمعن كلٌّ منّا النّظر في حياته؛ سيجد أنّه يتمتّع بشخصيّةٍ في العمل تختلف تمامًا عن شخصيّته في المنزل، كذلك العلاقات الاجتماعيّة؛ إذ أنّنا نرتدي قناع الجدّية مع زملاء العمل في حين أنّنا نلجأ إلى قناع البراءة إذا ما تعلّق الأمر بمجالسة الأطفال، أمّا عن اللّحظة الّتي نتجرّد بها من أقنعتنا الحياتيّة؛ فسوف يترك لكلٍّ منّا حريّة الإجابة عن نفسه.
لكنّ السّؤال الّذي قد يتراود للبعض؛ ماذا قد ينتج عن شخصيّةٍ تمتزج من جميع الشّخصيّات السّابقة؛ النّرجسيّة، ومتقلّبة المزاج العاطفيّ، والمفترسة، والمصابة بجنون العظمة؟ نعم؛ فقد تمّ استحداث مثل هذا المزيج ونتجت عنه شخصيّةٌ غايةٌ في الخطورة؛ حيث تكمن خطورتها في كونها غير متوقّعةٍ؛ فتارّةً يغدو صاحبها نرجسيٌّ، ومن ثمّ يتحوّل إلى مفترسٍ ليسقط بعدها في دوّامةٍ من التّقلّب العاطفيّ، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ جميع هذه التّقلّبات تحدث دون ظهور أيٍّ ممّا ينبئ بحدوثها.
قد يتبادر إلى ذهنك ندرة وجود مثل هذه الشّخصيّة، إلّا أنّ الحقائق تؤكّد عكس ذلك، فقد أكّدت قصصٌ كثيرةٌ من التّاريخ القديم والحديث على وجود مثل هذه الشّخصيّة، فكم من قصةٍ كان محورها قائمٌ على تلك الشّخصيّة المتسلّطة الّتي تعتدي على أموال الغير وتقتل كلّ من لا تثق بولائه لها؛ إذ أنّ هذه الشّخصيّة جمعت بين الافتراس والنّرجسيّة إضافةً إلى جنون العظمة.
[ دائرة الأمان ]
الحياة محفوفةٌ بالمخاطر، فلا يقتصر هذا الأمر على الشّخصيّات الّتي نقابلها وحسب؛ بل يشمل أيضًا الأحداث والمواقف وكلّ ما نبذله في سبيل بلوغ الأهداف الّتي نسعى إليها، فلا يمكن إنكار حقيقة مدى ذكاء الشّخصيّات الأربعة السّابقة، إلّا أنّ العمل الدّؤوب هو الّذي سيصل بصاحبه إلى أبعد ممّا يريد، أمّا عن الطّرق الملتوية؛ فإنّها حتمًا ستعود بالكثير من الضّررعلى صاحبها.
أثبتت العديد من الأدلّة والدّراسات أنّ جرائم العنف تزداد على نحوٍ كبيرٍ ما بين السّاعة الثّامنة مساءً والثّانية صباحًا؛ لذا إن أردت الخروج من منزلك؛ فعليك توخي جميع الاحتياطات اللّازمة؛ كأن تغلق الباب جيّدًا، إضافةً إلى عدم ذهابك إلى الأماكن المهجورة أو غير الآمنة، ويفضّل أن تكون بصحبة أشخاصٍ مقرّبين، فمن باب الحيطة والحذر لا يستحسن أن تقابل شخصًا غريبًا في مثل هذا الوقت.
نحن كائناتٌ رقيقةٌ جدًّا بطبعها، فالكلمات الجميلة تبعث في أرواحنا ما لا تبعثه العديد من الأفعال، إلّا أنّ هذه الرّقة لا بدّ من أن تكون أكثر يقظةً؛ إذ أنّ الكلمات اللّطيفة لا تخفي دومًا نوايا خيّرة، إضافةً إلى ضرورة الحزم والتّمسّك بالقرارات في بعض المواقف، فإن أراد أحدٌ استدراجك إلى أمرٍ لا ترغب به؛ عليك أن تعبّر بقوّةٍ عن رفضك وأن تتشبّث بهذا الرّأيّ.
[ إقتباس ]
"ما نقوم به مرارًا وتكرارًا هو ما نحن عليه".
[ الخاتمة ]
شخوص الحياة كثيرةٌ فلا تعدّ ولا تحصى، فقد يغدو أمر اختيار أولئك الّذين نتقاسم وإيّاهم حياتنا يقع ضمن نطاق إمكاناتنا إلّا أنّ الواقع يبيّن عكس ذلك؛ لأنّ الحياة -بشكلٍ أو بآخر- تفرض علينا أشخاصًا لم يتبادر قطّ إلى أذهاننا أنّنا سنعاشرهم ولو لبضع ثوانٍ، فإن حتمت عليك الحياة أن تعاشر ذا القناع النّرجسيّ؛ عليك أن تدرك بأنّه قادرٌ على الخداع وتزييف الحقائق للحصول على التّميّز، أمّا عن ذاك المتقلّب عاطفيًّا؛ فأساليبه شبيهةٌ بالنّرجسيّ، إلّا أنّ دافعه مختلفٌ؛ فهو بحاجةٍ دائمةٍ إلى الدّعم المستمرّ نتيجةً لشعوره المستمرّ بعدم الأمان. ومن المؤكّد أنّك لن ترغب بلقاء الشّخصيّة المفترسة؛ فأولئك يرتكبون أقبح التّصرّفات في سبيل تحقيق أهدافهم، ولا تتعجّب حال مصادفة أولئك الّذين يجمعون بين الافتراس والتّقلّب المزاجيّ والعظمة والنّرجسيّة، فهم متواجدون وبكثرةٍ، فاحذر منهم، وتذكّر دومًا أنّ الأساليب الملتوية ستكلّف صاحبها الكثير، إضافةً لفقدانه أجمل صفةٍ تميّز الإنسان؛ وهي الإنسانيّة.