ما الذي نخسره حين نقرأ

"نَحن الذين فَهمنا كل شيء مُبكراً، نحتاج إلى كرةٍ أرضية أُخرى نَستريحُ فيها بعيداً عن صراعاتِ الذين لم يفهموا بعد." غابرييل غارسيا ماركيز.

لي شغف لا حصر له بالقراءة، حين أمسك كتاباً جيداً أشعر أنني حصلت على صديق مخلص، وحين أنهيه أشعر بالوحدة كمن هجره صاحبه..

لو تكررت حياتي مئة مرة، لاخترت القراءة في كل حياة، لست أمضي حياتي في القراءة، بل أحدد لها وقتاً، بالطبع حديثي هنا هو عن القراءة الصريحة التي نعرفها جميعاً، وليس عن اللحظات التي أسترق فيها نظرة الى هاتفي بحجة وصول رسالة أو معرفة الساعة، فأغوص في مقالة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أو أفتح تطبيق القراءة على الهاتف لأغيب فيه وأتعمق في تلك الرواية التي تسحبني.

وبقدر ما جبرت القراءة كسوراً وندوباً بي، إلا أن لها جانباً آخر لا يراه إلا من تعمق بها..

حين تقرأ:

-ستبتعد تدريجياً عن أشخاص لم تعتقد يوماً أنك قادر على فراقهم، ذلك أنك قرأت حتى فهمت ما كنت في غفلة عنه، وبدأت تراهم على أصلهم دون “فلترات” كنت تضيفها عليهم بسبب جهلك..أو سترى سخافة معتقداتهم التي كنت تسايرهم بها مقارنة بأفكارك اليوم..لا أقصد هنا أن نبتعد عن كل من نخالفهم الرأي، بل على العكس تماماً، ستعلمك القراءة أن هناك الكثيرين ممن يخلفون عنا، إلا أننا نحترمهم ونقدرهم و قد نحبهم، لأن هذا هو المغزى من الحياة، لكنني أقصد أولئك الذين ترى فقدهم خسارة، إلا أنه الخير لك، ووجودهم في حياتك هو ما يهلكك..

-غالباً ستكره النقاش مع الأشخاص في محيطك، لأن كلاً من الطرفين لا يرى ما يراه الآخر، ولا عايش ما عايشه، ولا قرأ ما قرأه، فالنتيجة محسومة إذن.

-ستستيقظ كل يوم مع أمل أن تصبح ثرياً، لا لكي تتباهى و تسرف الأموال عبثاً، إنما لتشتري المزيد والمزيد من الكتب.

-ستعيش في عقلك أكثر مما تعيش في الواقع، ستكون أسيراً لأفكارك طوال النهار، وحين تحاول أن تخلد للنوم ليلاً، ستجافيك الأفكار والتوقعات، وأحذرك من الآن..إن كنت شخصاً يعاني من كثرة التفكير “ overthinking person” مثلي مثلاً.. فستزداد إرهاقاً فوق إرهاقك، إلا أنه إرهاق محمود سيجعلك تشكر اليوم الذي قررت فيه البدء بمسيرة القراءة.

عل كلٍ، أحب أن أقول ختاماً، اقرأوا وانشروا الكتب والمعرفة، فكروا كثيراً وطوال الوقت، حاربوا الجهل، لا تصدقوا كل ما ترونه ولا ما تسمعونه.. كونوا حكماء عقلاء، إن نحن لم نبحث عن الحقيقة و نتقصى عنها، فمن سيفعل؟

“أنشئ مكتبة ولو من ثلاثة كتب، وستقاوم جزءاً من قباحة هذا العالم” خورخي بورخيس