مات انتحار عماد

مات انتحار عماد

0 المراجعات

يا ليت الشمس ما تشرق ويا ليت أنفاسي تتوقف ويا ليت القلب يتوقف ويا ليت الحياة تنتهي ويا ليت القيامة تقوم تتزاحم تلك الخواطر برأس عماد فهذا هو الشهر الثالث له من دون أي عمل من دون أي دخل، ولكن هذا اليوم يختلف عن سابقيه ففى الأيام السابقة كان قد باع دبلة زوجته التى كانت معلقة بإصبعها ومن قبلها كان قد باع عجلته ومن قبلها كان قد باع ثلاجة المنزل وأنفق كل ما حصل عليه بالكاد على زوجته وبناته. وها هي تلك الجنيهات القليلة تبخرت فهو يعيش فى ظلام دامس لعدم شحن الكارت الخاص بعداد الكهرباء وينفق الليل على ضوء شمعة كم تمنى أن تغفو العيون قبل أن يغفو ضوء الشمعة ليروح الجميع فى ظلام داخلى وخارجى فهو لم يعد يملك ما سيسد به رمق الزوجة والبنات الثلاثة الصغيرات عند الاستيقاظ لم يعد يملك ثمن  بخاخة الربو للطفلة الوسطى وها هي سعالها يعلو ليلا ونهارا من قلة الطعام وعدم تناول الدواء. 
لذلك قفزت فكرة فى رأسه وهي النهوض والخروج مسرعا قبل أن تتيقظ زوجته أو أي من البنات حتى لا يلمح فى العيون ما تستره الألسن وسريعا نهض وخرج من شقته ونزل بهدوء حتى لا يسمعه أحد وخاصة صاحب العقار لأنه مدين له بإيجار الشقة لأكثر من ثلاثة أشهر و كم توسل له بأن يمنحه الوقت حتى يجد عملا  وصاحب العقار بالفعل منحه مهلة ثلاثة أشهر وها هي المهلة قد انقضت. خرج عماد وظل يسير باحثا عن أي عمل و كأن أبواب الماء والأرض قد سدت معا كم طرق أبوابا طالبا لعمل لا يليق به ولا يتفق مع دراسته ولكنه يريد أي عمل ولن يخجل من أي عمل طالما أنه سيحصل على المال من عرق جبينه وكم عرض عليه بعض الأصحاب القليل من المال ليتدبر أمره فكانت نفسه تأبى الإحسان فهو بعد بكامل صحته ويستطيع العمل وكم عرضت عليه الزوجة الخروج للعمل فى نظافة البيوت لدى الأثرياء فرفضت نفسه أن يعيش من جهد زوجته التى تستطيع بالكاد أن تدبر أمور منزلها نظرا لحاسية الصدر التي 
تعانى منها وانتقلت لطفلتها و كأن القدر يسوقه لنهايته التي لابد منها. 
ظل عماد يسير باحثا عن العمل كما يبحث الشقي عن إبرة فى كومة قش ظل يسير حتى أجهده السير فهو لم يتناول منذ الصباح أي طعام ولم تمر على أمعائه سوى شربة ماء تناولها من أحد الأسبلة التى مر عليها. 
ظل عماد يسير حتى وجد نفسه أمام احدى الكباري فقرر أن يعبر الكوبري للجانب الآخر لعل الجانب الآخر من النيل يحمل له الرزق الذي بات دربا من المستحيل.
وبينما هو يعلو الكوبري عاودته الأفكار فهو إن حصل على عمل فهل سيحصل على مال يكفي إيجار الشقة وشحن الكهرباء ودواء ابنته وإطعام زوجته وبناته بالطبع لا فهو إن حصل على عمل عليه الانتظار حتى نهاية 
الأسبوع ليحصل على ذلك المال وفجأة علت وجه عماد ضحكة من سخرية القدر فهو يقوم بعمل الحسابات 
وكأنه حصل بالفعل على العمل فلتحصل على العمل أولا ثم نفكر فيم سننفق تلك الأموال الطائلة التى سنتحصل عليها من ذلك العمل المجهول. 
ظل عماد يحدث نفسه أنه لم يرتكب جرما فهو يريد العمل فهل هو يريد الحرام إنه يريد العمل الحلال، ولكن يبدو أن هذا الحلال صار من المحال نظر عماد جليا للمياه التي تلمع تحت الكوبري وظل يحدثها يا مياه النيل يا مصدر الخير الوفير أين العمل وما العمل وكيف أنجو من تلك الضائقة. 
كيف سيعود عماد لمنزله خالي اليدين كيف سينظر لبناته وزوجته لقد مر من الوقت ما يكفي أن تصرخ 
الأمعاء صرخات الجوع المدوي كيف سيعود ويسمع سعال الطفلة المدوي كيف سيعود وقد لا يجد المأوى. 
ظل يفكر ويفكر والمياه تلمع وتلمع وهنا برق الشيطان وقرر قراره الأخير قرر أن تكون مياه النيل هي 
مستقره ولكن تذكر البنات فيرد شيطانه سيحنو عليهن الجميع لأنهن فقدن العائل الوحيد، ولكن تذكر زوجته فيرد شيطانه النساء ينسين سريعا وربما تزوجت من يعوضها فذلك أفضل لها بكثير. لكن... وقبل أن يقول لكن كانت الفكرة قد رسخت برأسه وحان الآن وقت تنفيذها فالجوع قد بدأ يفتك بعماد وهو لا يريد أن يستمر بهذا الألم وهم بالصعود ليقفز قفزته الأخيرة، ولكنه فوجئ بأحد المارة فعزل نفسه و كأنه يتأمل منظر النيل و كأن هذا المار هو فرصته ليعدل عماد ما أراد له شيطانه، ولكن الشيطان كان أسرع فوسوس له أرأيت إن الأمر أبط مما تخيلت فما هي إلا قفزة تنتهي معها كل المتاعب وتنعم بالراحة 
الأبدية وستدمع عيون الأقرباء قليلا وسرعان ما تجف دموعهم ومتاعبهم. 
وهم بالقفزة للمرة الثانية وكأن شريط سينما يمر من أمامنا عماد يعلو سور الكوبري ليقفز قفزته الأخيرة وآذان العصر يعلو (الله أكبر الله أكبر) فيصرخ عماد لكن الله كيف سألقاه كيف سيكون جزائي كيف سيكون حسابي هل بعد كل تلك المصاعب وأخلد في النار جزاء جريمتي في حق نفسي وحق كل من حولي 
وصرخ يا الله أعني أخرجنى من الضيق إلى فرجك و كرمك وقرر الذهاب للمجد للوضوء وليروي غلته 
والصلاة لقد فتك به العطش والجوع وطالما لايملك ثمن الطعام فليشرب تسكينا لآلام جوعه.
وتوضأ واغترف بيده الماء وظل ينهل حتى ارتوى وصلى العصر جماعة وانصرف الناس ولم يبق إلا هو وإمام المسجد وأحد المصلين الذين حضروا متأخرين وها هو يختم صلاته وبينما عماد يجلس ليحصل على قدر من 
الراحة فى بيت الله سمع المصلي الأخير يقول للإمام منذ الصباح لم أجلس فيرد عليه الإمام ولم يا حاج عبد الفتاح فيرد عليه الحاج أبحث عن عمال لجمع محصول الطماطم، ولكنك تعلم شبابنا لم يعد يفضل تلك الأعمال فهو يفضل الوقوف في محلات الملابس والهواتف المحمولة وكأن العمل في الأرض عار. 
لم يتردد عماد فى النهوض صارخا يا حاج هل تريد من يعمل؟ فأجاب الحاج عبد الفتاح نعم هل أنت فلاح لم يتردد عماد وأجاب أي عمل ستكلفنى به سأقوم به على خير وجه فأشار عليه الحاج عبد الفتاح هيا معي إلى 
الغيط . 
وظل عماد يسير تابعا للحاج عبد الفتاح يخترق الأراضى والغيطان والجسور حتى وصل إلى أحد الغيطان 
المزروعة بالطماطم ولمح احدى النساء ومعها فتاتان تجمعان الطماطم فقال الحاج عبد الفتاح إنها زوجتى وبناتي فزوجتي قررت النزول للغيط وجمع الطماطم بدلا من تركها تذبل وتساعدها بناتي ولكننا في حاجة لمن هو في قوتك ليضعها بالأقفاص وتحميلها على السيارات التي ستأتي وأسرع عماد يعمل بكل همة ونشاط ونسي جوعه وعطشه وظل يعمل ويجمع أقفاص الطماطم ويحملها على السيارة وبعد مرور ساعتين فقط من العمل كان يتناول طبقا من البامية مع الخبز الجاف الشهى الطازج من يد زوجة الحاج عبدالفتاح . 
وعاود العمل حتى أقبل الليل فأشار عليه الحاج عبد الفتاح بالتوقف وأن يكمل بالغد ومد الحاج عبد الفتاح يده ليناول عماد ورقة بمائة جنيه وكيسا به بعض الأرز وكيسا به بعض الطماطم والبطاطس ويودعه منتظرا إياه بالغد عاد عماد و كأنه ولد من جديد ظل يطوي الأراضى والغيطان كهوج فر من رياح. وظل يفكر في كلام يلاطف به زوجته وبناته على تركهن دون طعام وطرق الباب ففتحت زوجته الباب متسائلة أين كنت يا عماد وقبل أن يرد وجد النور يتوهج في الصالة والمائدة عليها من خيرات الله وحينما سألها عماد من أين لكم هذا؟ أجابت الزوجة هو من عند الله لقد نجح ابن صاحب العقار وقام بذبح عجل وقام بتوزيع اللحوم والحلويات على كل أهل الحي هنا سقط عماد ساجدا شاكرا الله على النجاة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

2

متابعهم

2

مقالات مشابة