في زمنٍ أصبحت الكلمة فيه أسرع من الضوء، وأوسع انتشارًا من الريح، بات واجبًا على كل كاتبٍ أن يتذكّر أن كلماته تُسجَّل عليه، وأن الله سيسأله يوم القيامة عنها. فالكلمة أمانة، والقلم شهادة، والصورة قد تكون هدايةً أو فتنةً! فـ"اتقوا الله فيما تكتبون"، فإنها ليست مجرد حروف، بل أثرٌ يمتد إلى ما بعد الحياة.
لقد كرم الله الإنسان بالعقل، ووهبه نعمة البيان، كما قال تعالى:
"الرَّحْمَـٰنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" [الرحمن: 1-4] ومن البيان ما يكتبه القلم، وما يخطه الكاتب ليصل إلى قلوب الناس وعقولهم. ولكن، هل وقفنا يومًا لنسأل أنفسنا: ماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟ وهل ما نكتبه يُرضي الله أم يُغضبه؟
إن مسؤولية الكاتب ليست سهلة، فهو صانع فكر وموجّه وعي. وكل كلمة يكتبها يمكن أن تكون جسرًا إلى الجنة أو إلى النار، كما قال النبي ﷺ:
"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم" (رواه البخاري).
فما بال أقوامٍ يكتبون ما يُفسد الأخلاق، ويثير الفتن، ويُزين الحرام، ويُسخِّف القيم باسم الحرية والإبداع؟ الحرية مسؤولية، والكلمة ميزان، والنية مرجعها القلب.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:
"القلم أحد اللسانين، فإياك أن تجعله جسرًا إلى الذنوب."
إن الله تعالى قال في كتابه الكريم:
"مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" [ق:18] فإذا كان القول يُكتب، فكيف بالكتابة التي تبقى في صفحات الإنترنت والكتب والمقالات لعشرات السنين؟!
ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
أمانة الكلمة
إن الكاتب المسلم لا يكتب إلا بما يرضي الله، ولا ينشر إلا ما فيه خير للناس، مصداقًا لقوله تعالى:
"وَقُلِ الْحَقَّ مِن رَّبِّكُمْ" [الكهف:29]. والحق في زماننا قد يختبئ بين آلاف الأكاذيب، فيكون دور الكاتب أن يميّز بين الصواب والباطل، وينير الطريق أمام القارئ.
وخطر الصور في المقالات
إن الصورة قد تُكمل المعنى، وقد تُفسده! فكم من صورة جذبت القلوب إلى الحرام، وكم من أخرى كانت وسيلة تذكيرٍ بالله والجنة. قال رسول الله ﷺ:
"كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" (رواه الترمذي). فكيف بمن يربح من صورٍ تُغضب الله أو تُروّج للمنكر؟! لذلك على الكاتب أن يختار الصور بعفةٍ وحياءٍ، تراعي حدود الله، وتكون هادفة ومعبرة لا مثيرة.
أقوال مأثورة تحفّز على الصدق في الكتابة:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان."
وقال ابن القيم رحمه الله: "من أراد أن ينفع الله به الناس، فليُصلح ما بينه وبين الله."
إذن، من أراد أن يُبارك الله في قلمه، فليُخلِص النية، وليكتب نفعًا، لا رياءً ولا شهرةً.
رسالة لكل كاتب:
أيها الكاتب، تذكّر أن مقالك قد يُقرَأ بعد موتك، فهل تُحب أن يُكتب في صحيفتك ذنوب أم حسنات؟ اجعل قلمك سلاحًا للحق، وقلماً يُنير الدرب للناس، لا يُضلّهم. فربّ كلمةٍ أنقذت نفسًا من الحيرة، وربّ مقالةٍ كانت سببًا في هدايةٍ عظيمة.
قال تعالى:
"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا" [الطلاق:2] فاتق الله في كل ما تكتب، يفتح الله لك بركة الكلمة ونور البصيرة.
الخاتمة:
إن القلم نعمة ومسؤولية، والصورة وسيلة وموقف، فاجعل نيتك لله، وكن ممن قال الله فيهم:
"الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ" [الأحزاب:39]. واكتب ما يرضي الله، تكن كلماتك صدقة جارية لا تنقطع.
اكتشف سر العادات الدقيقة وكيف يمكن لتغييرات صغيرة يومية أن تصنع تحولًا كبيرًا في حياتك الشخصية والمهنية. دليل شامل لتطوير الذات وبناء العادات الإيجابية بخطوات واقعية وأمثلة عربية ملهمة.
اكتشف كيف تبني هوية جديدة تتوافق مع أهدافك المستقبلية من الداخل، وتحرر نفسك من الهوية القديمة عبر فهم الوعي الذاتي وإعادة برمجة العادات والسلوك لتحقيق التحول النفسي الحقيقي وتطوير الذات المستدام.
تعلم كيف تدير يومك دون توتر رغم كثرة المسؤوليات من منظور إيماني. خطوات واقعية مستمدة من الهدي النبوي تساعدك على تحقيق التوازن بين العمل والراحة والعبادة بطمأنينة ورضا.