
القلق الوجودي: لماذا نشعر بالفراغ رغم نجاحنا؟
القلق الوجودي: لماذا نشعر بالفراغ رغم نجاحنا؟
نحصل على الشهادة، نحقق أهدافنا، نتلقى التقدير، وربما نصل إلى المكان الذي حلمنا به طويلًا…
لكن، ما إن نصل، حتى نجد شيئًا غريبًا ينتظرنا: الفراغ.
ذلك الإحساس الثقيل، الغامض، الذي لا يملأه شيء. فنسأل أنفسنا: هل هذا هو كل شيء؟
هذا ما يسميه علماء النفس بـالقلق الوجودي (Existential Anxiety)، وهو ليس اكتئابًا ولا فشلًا… بل جزء طبيعي من وعينا ككائنات تفكر وتسأل.
في هذا المقال سنكتشف لماذا نشعر بالفراغ رغم النجاح، وما الذي يخبرنا به هذا الإحساس عن أنفسنا وغايتنا في الحياة.
---
🧠 ما هو القلق الوجودي؟
القلق الوجودي ليس مرضًا نفسيًا، بل حالة عقلية وشعورية عميقة، يشعر بها الإنسان عندما يواجه أسئلة مثل:
ما الهدف من حياتي؟
هل ما أفعله له معنى؟
هل أنا مجرد ترس في آلة؟
ماذا بعد كل هذا النجاح؟
يحدث هذا النوع من القلق عادةً في لحظات:
النجاح الكبير
التحول الحياتي
الخسارة أو الفقد
أزمات منتصف العمر
---
🎯 لماذا يظهر القلق بعد تحقيق الإنجاز؟
1. النجاح يزيل "الهدف الخارجي":
عندما ننجز ما كنا نركض خلفه، نفقد الدافع الخارجي الذي كان يوجهنا، ونُجبر على مواجهة أسئلتنا الداخلية.
2. نكتشف أن الإنجاز لا يُشبع العمق الروحي:
المال، الشهرة، الترقيات… تشبع طموحاتنا السطحية، لكنها لا تملأ "الفراغ الوجودي" الذي يبحث عن المعنى لا الإنجاز فقط.
3. مجتمعنا يُعرّفنا بأدائنا:
في عالم يقيسك بما تملكه أو تنجزه، ننسى أن نسأل: من أنا؟، حتى نصطدم بجدار الإنجاز الصامت.
---
🔍 أعراض القلق الوجودي:
شعور بعدم الرضا رغم النجاح
تساؤلات عميقة عن الحياة والموت
فقدان الشغف المفاجئ
رغبة في التوقف عن كل شيء
أرق ذهني أو قلق لا مبرر له
---
🧩 كيف نتعامل مع هذا النوع من القلق؟
1. تقبّل القلق لا مقاومته
هو جزء من وعينا العميق، لا تحاول إسكاته بالعمل أو اللهو، بل اسأله:
ماذا تريد أن تقول لي؟
2. البحث عن المعنى لا الإنجاز فقط
ابدأ بمراجعة:
ما الذي يجعلك تحس بالحياة؟
متى تشعر أنك "في مكانك الحقيقي"؟
من الأشخاص أو الأنشطة التي تمنحك شعورًا بالاكتمال؟
3. المساهمة بدل المقارنة
أعد توجيه طاقتك إلى من حولك:
علّم، شارك، ألهم. فالمعنى يُولد من العطاء لا من التراكم فقط.
4. احتضان التناقض
الحياة ليست دائمًا واضحة أو منظمة. هناك فوضى، فقدان، ولحظات عبثية…
النجاح الحقيقي هو القدرة على العيش وسط كل هذا بسلام داخلي.
---
💡 خلاصة:
الفراغ الذي تشعر به بعد النجاح ليس علامة على فشلك، بل إشارة إلى أن ذاتك العميقة تطلب منك التوقف… والتأمل.
أنت لست آلة إنجاز، بل روح تبحث عن المعنى.
حين تصغي لصوت القلق الوجودي، قد تكتشف من تكون فعلًا، لا من أصبحت بسبب الآخرين.
---
✍️ عن الكاتبة:
د. ولاء بني يونس – كاتبة وباحثة، متخصصة في تحليل السلوك الإنساني، تهدف إلى إيصال المعرفة النفسية بلغة بسيطة وعميقة في آنٍ واحد. تؤمن أن الفهم هو أول طريق للحرية، وأن كل إنسان يستحق أن يعرف ذاته دون خوف..