
تأثير الطفولة على قراراتنا كبالغين: حقائق صادمة من علم النفس التنموي
تأثير الطفولة على قراراتنا كبالغين: حقائق صادمة من علم النفس التنموي
هل من الممكن أن تكون قراراتك اليومية، علاقاتك العاطفية، وحتى طموحاتك، مجرّد امتداد لطفولتك؟
الإجابة ببساطة: نعم، وبشكل أعمق مما تتخيل.
علم النفس الحديث يكشف أن الطفولة ليست مرحلة نعيشها ثم ننساها، بل هي "النواة" التي تُبنى حولها كل اختياراتنا وتصوراتنا عن الحياة. دعونا نغوص في عالم النفس التنموي ونكشف كيف تشكّل طفولتنا قراراتنا المصيرية كبالغين… دون وعي منّا.
---
👶 الطفولة ليست ماضٍ.. بل حاضر مستتر!
أثبتت دراسات حديثة أن التجارب العاطفية في السنوات الأولى من الحياة تخلق أنماطًا عقلية راسخة تُدعى بـ"المخططات النفسية" (Schemas)، والتي تستمر معنا مدى الحياة، ما لم نُدركها ونعمل على تعديلها.
مثال بسيط: الطفل الذي لم يُشعره أهله بأنه محبوب بلا شروط، سيكبر ليختار علاقات يسعى فيها لإثبات جدارته دومًا... وغالبًا يفشل.
---
🧠 كيف تؤثر الطفولة على قرارات البالغين؟
1. العلاقات العاطفية:
التعلق غير الآمن في الطفولة → علاقات سامة أو هروب من الحب.
الإهمال العاطفي → تعلق مفرط بشريك الحياة أو الخوف من الهجر.
2. اختيار الشريك أو الأصدقاء:
نميل لا شعوريًا لاختيار من يُشبه من أحبّونا أو أذونا، ظنًا بأننا سننجح هذه المرة في إصلاح الألم.
3. المسار المهني والطموحات:
من كَبُر على أن يُكافأ فقط عند التفوق، قد يربط قيمته الذاتية بالإنجاز فقط.
من قيل له "لن تنجح" كثيرًا، قد يضع سقفًا منخفضًا لطموحه، خوفًا من الفشل.
4. التعامل مع الرفض أو الفشل:
الطفولة تحدد ما إذا كنا نرى الفشل كدرس... أو كوصمة.
---
🧩 أمثلة واقعية تُوضح الصورة:
رجل يرفض كل عرض زواج رغم رغبته بالاستقرار: قد يكون عانى من انفصال والديه في طفولته، فتكوّن داخله رابط شرطي بأن الحب = ألم.
امرأة تنسحب من كل وظيفة بعد أشهر: قد تكون نشأت في بيئة نقدية لا تُشعرها بالكفاءة، مما يجعلها تتهرب من أي موقف يتطلب مسؤولية طويلة.
---
🔓 هل يمكن التحرر من تأثيرات الطفولة؟
نعم. الخبر السار أن العقل قابل للتغيير في أي عمر، لكن بشرط:
1. الوعي: راقب قراراتك المتكررة واسأل:
لماذا اخترت هذا؟
هل هو قرار نابع من "أنا الحالي" أم "أنا الطفل" بداخلي؟
2. التصالح مع الماضي:
لا يجب أن تسامح من آذاك إن لم تكن مستعدًا، لكن عليك أن تعترف بالتجربة وتفهم أثرها.
3. العلاج النفسي أو الكتابة الواعية:
أساليب فعالة لإعادة فهم الذات وتفكيك الأنماط القديمة.
4. إعادة البرمجة السلوكية:
بدلًا من الاستسلام للتكرار، درّب نفسك على ردود فعل جديدة في نفس المواقف.
---
💡 خلاصة:
طفولتك ليست مجرد ذكريات… بل نظام تشغيل كامل لعقلك وسلوكك وقراراتك.
فهمك لجذورك هو أول خطوة نحو حريتك النفسية. وكلما اقتربت من الطفل داخلك، كلما أصبحت أكثر نضجًا في قراراتك.
---
✍️ عن الكاتبة:
د. ولاء بني يونس – كاتبة وملهمة، حاصلة على الدكتوراه من الجامعة الأردنية، تهتم بربط علم النفس بالحياة اليومية، وتبسيط المعرفة الأكاديمية لتصل إلى كل شخص يسعى لفهم نفسه وتطويرها. تسعى مقالاتها لإحداث أثر عميق في وعي القارئ العربي.