الدكتور طه حسين : عميد الأدب العربي

الدكتور طه حسين : عميد الأدب العربي

1 reviews

من أشد التعليقات تفاهة وسخفاً فيما كتب عن الدكتور طه حسين في حياته وبعد موته، أنه شق طريقه إلى القمة الشاهقة التي اقتعدها في الحياة الأدبية في العالم العربي، بادئاً مسيرته من السفح ، أو أعماق الأخاديد التي يعيشها كثير من الناس، في أيام نشأته، وفي هذه الأيام أيضاً..

وتأتي تفاهة التعليق من أن الحقيقة البارزة في تاريخ أعاظم الرجال في العالم هي أنهم بدأوا مسيرتهم من السفوح والأخاديد، بل من الأكواخ في الأزقة والدروب المجهولة في القرى أوفي المدن.

فليس في أن عميد الأدب العربي طوال ما يزيد على نصف قرن، قد بدأت مسيرته من السفح في قريبته، ثم في أروقة الأزهر، كما ليس في افتقاده البصر ونبوغه هذا النبوغ الذي ملأ سمع الدنيا وبصرها، ورغم افتقاده البصر في الثالثة من عمره، ما يستحق التعليق أو يستثير الدهشة والإعجاب، وإنما الذي يستحق أوسع وأوفر الدراسات عن الدكتور طه حسين، هو أنه رجل آمن برسالة الفكر، وأدرك الأبعاد العميقة لمفهوم الحضارة، واستشرف الآفاق الواسعة التي يمكن أن يحلق فيها الفكر الحر، والثقافة الإنسانية في أوسع وأشد مجالاتها رحابة وانطلاقاً فمشى وراء تلك الراية التي رفرفت في سماء بصيرته، وصمم على أن يوغل في الأبعاد العميقة، وأن يحلق في الآفاق الواسعة، لا يحول دون غرضه وهدفه اللذين اعتنقهما وآمن بهما، أي عائق مهما كان.

ويتعذر في كلمة قصيرة كهذه أن نفي الدكتور طه حسين حقه على الأدب والفن والفلسفة والفكر، ولكن لا يتعذر أن نقول إن الرجل قد رحل عن هذه الدنيا، بعد أن أعطى العالم العربي في العصر الحديث شخصيته الفكرية التي أحس بها العالم، والتفتت إليها محافل الفكر والفن، واحتفت بها الجامعات ومراكز الإشعاع الفكري، في جميع أنحاء العالم. وليس هذا قليلاً، حين ندرك ما ظل يعانيه العالم العربي طيلة ما يزيد عن خمسين عاماً من تخلف عملت على ترسيخه ظروفه السياسية ومعاركه التي لم يفرغ من تصفية حسابه معها حتى اليوم.

وقد شاء الله سبحانه ألا يلفظ الدكتور العميد آخر أنفاسه إلا بعد أن استردت مصر والعرب معا كرامتهم وأن يردد العالم أخبار النصر الذي حققته القوات العربية في سيناء والجولان، ولا شك في أن هذا النصر قد ملأ قلب الرجل الكبير نورا وعزاء وطمأنينة ورضى. ومع ذلك، فسيظل للدكتور طه حسين على دوائر العلم والثقافة ومراكز الإشعاع والفن في العالم العربي دين ضخم، تؤجل ظروف الحرب التي نخوضها مع العدو موعد دفعه، ولكن لا بد من أدائه بتكريم ذكراه، على الصعيدين العربي والعالمي، في مصر بطبيعة الحال، ولكن ليس ما يمنع أن يكرم، في مركز اليونسكو في باريس أيضاً حيث يتاح للفكر العربي، أن يبرز للعالم المتحضر في أوروبا، تقديرنا للرجل الذي اعتقد أن تقدير محافل الفكر له في كل بلد أوروبي، لا يقل – إن لم يزد – عن تقديرنا نحن له.

تتلخص قيمة طه حسين الأدبية، عالمياً في أنه رسخ في محافل الثقافة والفكر، للإنسان العربي شخصية قادرة على أن تشع وأن تضيء الحياة من حولها رغم كل ما ظل يعانيه هذا الإنسان من تهم التخلف والجمود..

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

173

followings

583

followings

6652

similar articles