
" هل للحب تاريخ صلاحية !؟"
هل يمكن للحب، رغم وهجه الأول ووعوده الخالدة، أن يفقد بريقه مع مرور الزمن؟ وهل للمشاعر حقًا تاريخ صلاحية يجعلها تتآكل حين تغيب عنها العناية والتجديد؟
يُنظر إلى الحب غالبًا كقوة خارقة للزمن، تُغذّيها الروايات والأفلام بقصص البقاء الأبدي والانجذاب المستمر. غير أن علم النفس له رأي مختلف – أو بالأحرى، أكثر واقعية. فالمشاعر، كما توضّح النظريات النفسية والدراسات التجريبية، ليست كيانات ثابتة، بل حالات انفعالية تتغير وتتأثر بعوامل عدة، من بينها التغيرات العصبية، وطبيعة التفاعل بين الشريكين، ومستوى الرضا والتواصل في العلاقة. ومن هنا يبرز سؤال جوهري: هل الحب يدوم فعلًا؟ أم أنه يرتبط بمرحلة معينة من العلاقة، ليبدأ بعدها في التلاشي التدريجي مهما كانت نواياه صادقة في البداية؟
تشير الأبحاث النفسية إلى أن الحب ، وإن كان قويًا في بداياته، قد لا يستمر إلى الأبد، إذ بيّنت دراسات متعددة أن الحب يتأثر بعوامل نفسية وزمنية تضعه تحت تهديد "تاريخ صلاحية عاطفي". ففي دراسة طويلة المدى أجراها Aron et al. (2000) وُجد أن الشغف الرومانسي غالبًا ما يتراجع بعد 12 إلى 18 شهرًا من العلاقة، وهو ما يُعزى إلى انخفاض إفراز الدوبامين المرتبط بالانجذاب والمكافأة. كما أكد نموذج "الاستثمار العاطفي" لـ Caryl Rusbult (1980) أن استمرار العلاقة يعتمد على ثلاثة مكونات: الرضا، والاستثمار، وغياب البدائل، وكلما تراجع أي منها، قلّ احتمال بقاء الحب. من جهة أخرى، يوضّح ستيرنبرغ في "نظرية مثلث الحب" أن اختلال التوازن بين الشغف والحميمية والالتزام يؤدي إلى تغير شكل العلاقة أو موتها العاطفي. وفي دراسة لـ O'Leary et a (2012) ، تبيّن أن 45% من الأزواج الذين كانوا يصفون حبهم بأنه "عميق ومستمر" بدأوا يشعرون بالفتور خلال خمس سنوات بسبب الملل، نقص التجديد، وتكرار الخلافات غير المعالجة. هذه النتائج تدعم أن الحب ليس شعورًا دائمًا بذاته، بل تجربة مؤقتة قد تضعف وتنتهي إن لم يُصان بالعناية النفسية والعاطفية. لذلك، يمكن القول إن للحب تاريخ صلاحية ، لا لأن المشاعر تفنى تلقائيًا، بل لأنها تتأثر بتقادم الزمن، والتجاهل، والاعتياد، حتى تفرغ العلاقة من معناها الأصلي وتتحول إلى رابط شكلي خالٍ من الشعور.