
مملكة ماري في سوريا
مملكة ماري السورية: جوهرة الحضارة على الفرات
مملكة ماري، إحدى أبرز الممالك السورية القديمة، كانت مركزًا حضاريًا وسياسيًا هامًا في بلاد الرافدين خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد. تقع ماري على نهر الفرات قرب الحدود السورية العراقية حاليًا، في موقع يُعرف بـ تل الحريري، وكانت حلقة وصل استراتيجية بين حضارات الشام وبلاد الرافدين.

تقع ماري على الضفة الغربية لنهر الفرات، في المنطقة الشرقية من سوريا المعاصرة، على بُعد نحو 11 كم شمال غرب مدينة البوكمال. موقِعها الوسيط جعل منها محطة تجارية مهمة على طرق القوافل بين سومر وأكاد في الجنوب، وحلب وأوغاريت وبلاد الأناضول في الشمال.
التأسيس: تأسست ماري في حوالي عام 2900 ق.م، على يد السومريين أو الأكديين حسب بعض المصادر، وسرعان ما أصبحت مدينة قوية ذات نظام سياسي متطور.
بلغت أوج ازدهارها في الفترة ما بين 2500 و1760 ق.م، حيث نشأت فيها سلالة حاكمة محلية أبرز ملوكها "زمري لِم".
النهاية: في عام 1760 ق.م، دُمّرت ماري على يد الملك البابلي الشهير حمورابي بعد أن دخلها وخربها، ولم تستعد مكانتها بعد ذلك.
احتوت ماري على قصر ملكي ضخم من أكبر القصور في العالم القديم، يضم أكثر من 300 غرفة وقاعة، تزين جدرانه جداريات ملونة تُظهر الحياة الملكية والدينية.
عُثر على أرشيف ضخم من الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري، يضم أكثر من 25,000 رقيم طيني، يغطي مواضيع متعددة: المراسلات الدبلوماسية، القوانين، الاقتصاد، والعبادة.
الاقتصاد: قامت على الزراعة بفضل ري نهر الفرات، وازدهرت بالتجارة، وكانت مركزًا لتبادل السلع مثل النحاس، الزيت، القمح، والنسيج.
عُبِد في ماري عدد من الآلهة، مثل الإله دجن (إله الخصب)، والإلهة عشتار، ولعب الكهنة دورًا كبيرًا في السياسة.
تكشف وثائق ماري عن شبكة واسعة من العلاقات السياسية والتجارية تمتد من مصر إلى الأناضول.
قدّمت للعالم أدلة هامة على تطور نظام الحكم، واستخدام اللغة الأكادية، وتنظيم الجيوش والإدارات.
بدأت التنقيبات في موقع ماري عام 1933 على يد البعثة الفرنسية بقيادة أندريه بارو، وقد كشفت عن قصر ملكي مدهش وتماثيل فخارية وألواح مسمارية فريدة، تعرض العديد منها اليوم في متحف اللوفر في باريس والمتحف الوطني في دمشق.


مملكة ماري السورية لم تكن مجرد مدينة قديمة على ضفاف الفرات، بل كانت مركزًا إشعاعيًا للثقافة والإدارة والتجارة والدبلوماسية في الشرق القديم. إرثها الغني ما زال يثير اهتمام الباحثين، ويُعَد شاهدًا على عبقرية السوريين الأوائل في بناء حضارة مزدهرة ربطت بين الشرق والغرب وان دل على شي يدل على ان سوريا كانت ومازالت مهد الحضارات.