التفكير الايجابي طريقك السريع للإبداع - قصة بنطال
لم أنس أبدا صرخة زوجتي المدوية وهي تقذف ببنطالي القديم على الأرض، وتقول لي في حنق شديد: خلصني من هذه الفوضى التي لم تعد محتملة، لم أقل شيئا لحظتها، ووجدتني أتابع حركة البنطال بينما كان يهوي على الأرض بلا حول له ولا قوة، وكيف انكمش خائفا مرتعدا، وتكور على نفسه متحسبا لرمية أخرى أعنف من سابقتها.
كان شكل البنطال الملقى بكل هذه المشاعر من البؤس، وانعدام الحيلة، وانتهاء الصلاحية، وما أكلته السنون من أطرافه - فراح يحاول إخفاءه على استحياء – شكلا موحيا ومؤثرا، جعلني أفكر مليا في ضرورة توثيقه من خلال لوحة فنية، تجسد عمق هذه المأساة التي عاشها البنطال في لحظات ضعفه وشيخوخته.
وبالفعل عمدت إلى استخدام بعض المواد المثبتة لتثبيته في هيئته ذاتها ما أمكن، وإضافة بعض اللمسات الفنية الضرورية، ليسفر الأمر عن لوحة تشكيلية إبداعية، أثارت دهشة الجميع بما فيهم زوجتي نفسها، وكانت المفاجأة أن هذه اللوحة بيعت بمبلغ يمكن أن يشتري ما يزيد عن العشرة بناطيل الجديدة! وكانت فاتحة لمجموعة من الأعمال الفنية التي تم تنفيذها بالأسلوب نفسه، وحققت نجاحا ملحوظا.
اختلاف النتائج باختلاف زاوية النظر
ربما تبين لك من خلال هذه القصة الفارق الكبير في النتائج بين سيناريوهاتها المحتملة، والتي كان من بينها مثلا أن أحتد في رد فعلي على تصرفها، وأدخل معها في نقاش حاد ينتهي بشجار قد يمتد أثره لأيام وأسابيع، وكان من بينها أيضا ما حدث بالفعل، والذي لا أدعي حقيقة أنني تعمدته، لكنه أحدث تأثيرا كبيرا في طريقة تعاملي مع الأمور لاحقا.
كلا السيناريوهين طبعا كان ممكنا ومحتملا، لكن النتيجة لن تكون ذاتها في كلا الحالتين، وإنما ستختلف اختلافا هائلا في تأثيراتها وفي شحنة المشاعر التي ستصاحبها، وردود الفعل التي يمكن أن تعقبها، وهذا ما دفعني لأن أحمد الله وأشكره على أن ألهمني حسن التصرف مع الموقف، وأن لا أنجرف مع تياره.
كيف أكتسب مهارة التفكير الايجابي؟
لا شك أن المسألة تحتاج إلى شيء من التمرين، وتدريب العقل على النظر إلى زوايا مختلفة من الأمور، خصوصا أن النفس بطبيعتها تميل إلى التفكير السلبي وتغليبه، لهذا فإن التفكير الإيجابي يعتبر مرحلة متقدمة في الوعي، تتجاوز التفكير التلقائي وردود الفعل السريعة والمباشرة، وتدقق النظر للبحث عن احتمالات أخرى ممكنة، وتفسيرات أخرى محتملة.
لكن الأمر ليس صعبا وعسيرا وغير واقعي كما يبدو للبعض، بل إن كل ما يبدو للناظر من زاويته فهو واقعي تماما، وحقيقة لا شك فيها، بناء على موقعه وزاوية النظر الخاصة به، ومن أشهر العبارات التي تدل على هذا المعنى مقولة : "إن كنت تظن أنك تستطيع أولا تستطيع فأنت في الحالتين على حق". هنري فورد، أي أنت لا تجافي الحقيقة والواقع في كلا الحالتين، لأنهما يتكيفان مع طبيعة رؤيتك وطريقة تفكيرك.
كيف يكون التفكير الايجابي طريقك السريع للابداع والابتكار؟
من الطبيعي جدا وربما البديهي أيضا، أن التفكير التلقائي المباشر سيقودك إلى العناوين السابقة التي مررت بها واختبرتها من قبل، لأنه سيقودك في الاتجاه الذي ألفه واعتاد عليه، ولن يأخذك بعيدا عنه، أما مع القليل من التروي والتفكير البناء، بحثا عن زوايا نظر ربما تكون أفضل وأوضح وأكثر اتساعا، فهذا حتما سيضعك في مكان أنسب كثيرا لاكتشاف عناوين جديدة ومعاينة أفكار ورؤى جديدة لم تختبرها من قبل، وهذا بالضبط ما تريده وما تحتاجه، لوضع قدميك على الطريق السريع للابداع والابتكار، حيث سيكون عقلك مهيئا للتعامل مع أفكار جديدة، واحتمالات أكثر تنوعا، بمرونة أكبر ورغبة أقوى بالاكتشاف.
ما أهمية الإبداع في الحياة؟
قد يقول البعض مالي وللإبداع لأشغل نفسي به وما أهميته لحياتي حتى أحرص عليه كل هذا الحرص؟ عداك عن هذا فإن الحياة تسير على كل حال، سواء كنت مبدعا أم لم تكن. إليك بعض النقاط التي تجعل من الابداع والتفكير الإبداعي ضرورة لا غنى عنها في الحياة:
- _ إن كل هذه الوسائل التي وفرت لنا أسباب الراحة والرفاهية التي ننعم بها اليوم، هي نتيجة التطور الذي شهدته الحياة الإنسانية، والتي لم تكن إلا حصيلة الفكر الانساني المبدع والخلاق، وبدونه ربما كنا مانزال نعيش في أشد عصورنا بدائية.
- _ التفكير الابداعي يساعدنا على حل مشكلاتنا، ومواجهة تحدياتنا بأفضل الطرق وأقصرها وبأعلى جودة.
- _ التفكير الابداعي يساعدنا على التكيف مع الظروف المختلفة بكفاءة عالية.
- _ كما أنه يساعدنا على بناء علاقات اجتماعية وانسانية أكثر فعالية.
- _ يساعدنا في النمو بشكل أسرع في أعمالنا ومساراتنا المهنية وغيرها.
- _ يساعدنا في ابتكار خطط أعظم فعالية وربحية لاستثمار أوقاتنا وطاقتنا وإمكانياتنا.
- _ يساعدنا على النمو والارتقاء في مختلف جوانب حياتنا.
- _ يوفر لنا أفضل الفرص الممكنة للتطور والنجاح وبلوغ أهدافنا.
- _ يحسن من نوعية الحياة التي نعيشها ويزيد من جودتها.
- _ التفكير الإبداعي هو الأكثر إنسجاما مع إنسانيتنا المتوثبة بشكل دائم للأفضل والأرقى.
إن الحديث عن أهمية الإبداع والتفكير الإبداعي في حياتنا يمكن أن يمتد بلا حدود، ولا يقتصر على ذكر نقاط بعينها، لكن ما تم ذكره هنا أظنه كافيا من أجل أن نوليه أقصى اهتمامنا وعنايتنا.
هل الإبداع مقتصر على فئة بعينها؟
قد يظن البعض أيضا أن الإبداع مقتصر على فئة من الناس الذين أنعم الله عليهم بمواهب خاصة دون غيرهم، وأن الغالبية من البشر محرومون من الإبداع ومن الموهبة، وهذا خطأ فادح، فالله سبحانه وتعالى خلق الانسان في عمومه في أحسن تقويم، وأمده بكل الوسائل اللازمة لأداء دوره ورسالته في الحياة بأعلى كفاءة، وأعطى كل إنسان من المواهب والقدرات ما يتلاءم مع دوره ومهمته فيها، وما ينسجم مع طبيعته وخصائصه وشخصيته المتفردة.
ولهذا فأنت ترى مبدعين في الاقتصاد، وآخرين في مجال الفنون أو العلوم أو الرياضة أو الصناعة، أو غيرها الكثير من مجالات الحياة المختلفة، التي تعمل معا على دفع عجلة التطور للأمام وللأعلى، وتجد المبدعين في كل عصر وفي كل مكان.
إن الابداع طاقة إنسانية موجودة لدى كل إنسان تقريبا، بأشكال ومستويات واتجاهات مختلفة، عداك عن ما يؤكده الخبراء بشكل مستمر، من أن الاجتهاد يتفوق على الموهبة في أغلب الأحيان، خصوصا تلك المواهب الخاملة التي لا تعمل على شحذ نفسها وتطويرها بشكل مستمر.
خلاصة القول:
وخلاصة القول أن الإبداع لا يقتصر على جانب من جوانب الحياة دون غيره، كجانب الفنون والأدب وإنما يمتد ليشمل جميع جوانبها كفنون الطبخ وإدارة الوقت، وحل المشكلات.. كما أنه أيضا لا يقتصر على فئة بعينها، وإنما هو طاقة خلاقة مختزنة في كل إنسان تقريبا، بأشكال واتجاهات مختلفة.
أما عن أهميته لحياتنا فحدث ولا حرج، فإن للإبداع أهميته الكبرى في تطويرها وتحسين جودتها، وفي حل مشكلاتنا، ومواجهة تحدياتنا، وفي نمونا الشخصي والمهني، وبناء علاقات ناجحة ومثمرة مع الآخرين، وفي التكيف مع الظروف المختلفة، وفي غيرها الكثير الكثير من تفاصيل حياتنا، التي يمكن للتفكير الإبداعي أن يضيف لمسته إليها، ليخرجها بأفضل أشكالها وأبهى حللها، ومن المؤكد أيضا أن التفكير الإيجابي هو وقود الابداع وطريقه السريع.