اشكالية الجريمة المستحيلة وموقف الفقه والتشريع.

اشكالية الجريمة المستحيلة وموقف الفقه والتشريع.

0 المراجعات

الجريمة المستحيلة

تعريف الجريمة

الجريمة هي سلوك يحرمه القانون ويرد عليه بعقوبة جزائية او بتدبير

وعند توفر الجريمة ووجودها وجوداً قانونياً لا بد من توفر ركنين ركن مادي وركن معنويويذهب بعض الفقهاء للقول بوجود ركن ثالث للجريمة هو الركن القانوني أو الركن الشرعي

  1. الركن المادي:هو الجانب المادي للجرمية الذي يدخل في تكوينها ويبرز هذا الجانب إلى العالم الخارجي بمظهر مادي يعبر عن سلوك ونتيجة تترتب عليه
  2. الركن المعنوي:هو الجانب المعنوي الذي يدخل في تكوينها ويتمثل هذا الجانب في العلاقة الذهنية والنفسية التي تربط الشخص بالسلوك

تعريف الجريمة المستحيلة:

الجريمة المستحيلة هي شروع في ارتكاب فعل يستحيل على الفاعل تحقيق نتيجته , وهي ذلك الفعل الذي يقوم به الجاني بقصد ارتكاب جريمة إلا أنه يخيب هدفه في تحقيق نتيجة فعله بسبب عدم صلاحية الوسيلة أو بسبب لا دخل له به يمنع تمام الجريمة و بالتالي يستحيل تحقيق النتيجة .  كمن يضع يده في جيب شخص ليأخذ منه ما فيه فيكون الجيب خالياً .

الاستحالة المطلقة و الاستحالة النسبية

  1. الاستحالة المطلقة :

تكون الاستحالة مطلقة حينما يكون موضوع الفعل أو طبيعة الوسيلة المستعملة غير قابلين في جميع الظروف لإحداث النتيجة الجرمية , مثل أطلاق الفاعل على شخص ميت و الاستحالة المطلقة من حيث الوسيلة و ضع سكر في طعام شخص بدلاً من مادة سامة .

  1. الاستحالة النسبية :

تكون الاستحالة نسبية عندما يوجد محل الجريمة لكن ظروف الزمان و المكان من حيث الموضوع او الوسيلة هي التي تلعب دوراً أساسياً في عدم تحقيقها ولولا هذه الظروف لأصبح تنفيذ الجريمة ممكناً مثال على الاستحالة النسبية من حيث الموضوع أن يطلق الفاعل النار على شخص يحسب أنه موجود في مكان معين فيتبين أنه غادر المكان قبل لحظات و مثال على الاستحالة النسبية من حيث الوسيلة , أن  يلقي الفاعل قنبلة على جميع من الناس فلا تنفجر لعدم معرفته بطريقة استعمالها

و الفقهاء الذين فرقوا بين الاستحالة المطلقة و الاستحالة النسبية قالوا بعدم معاقبة الفاعل إذا كانت جريمته مستحيلة استحالة مطلقة و معاقبته إذا كانت جريمته مستحيلة استحالة نسبية .

الاستحالة القانونية و الاستحالة المادية :

  1. الاستحالة قانونية

إذا تخلف أحد أركان الجريمة أو العناصر التي يتوقف عليها قيام الجريمة كما وصفها نص التجريم، فمن يطلق النار على شخص ميت لا يعاقب لتخلف أحد الأركان القانونية لجريمة الفعل، وهو أن يكون المجني عليه حيا وقت ارتكاب الفعل، ومن يستولي على مال له معتقدا أنه مال غيره لا يعاقب على جريمة السرقة لتخلف أحد أركانها وهو أن يكون المال المسروق مملوكا للغير، أو كون المرأة غير حامل في جريمة الإجهاض والاستحالة القانونية في جميع حالاتها لا يعاقب عليها القانون.

  1. الاستحالة المادية :

فتكون إذا كان عدم تحقق النتيجة يرجع لأسباب مادية مستقلة عن إرادة الفاعل رغم توافر عناصر الجريمة، ويمكن أن ترجع الاستحالة المادية إلى الوسيلة المستعملة مثل عدم صلاحية الوسيلة لأحداث النتيجة سواء لعيب فيها أو لعيب في طريقة استعمالها ، ويمكن أن ترجع الاستحالة المادية إلى محل الجريمة كأن يكون الشخص المراد قتله غير موجود في مكان وزمان الحادث، والاستحالة المادية بنوعيها يعاقب عليها القانون.

وما يعاب على هذا الرأي لم يأت بشئ جديد بخلاف ما أتى به أصحاب التفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية، إلا أنه يرد عليهم وأن الأساس القانوني المعتمد عليه من طرف الاتجاهين مختلف تماما، ناهيك على أن التفرقة بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية أكثر وضوح وأكثر منطقية، وهو ما جعل الكثير من التشريعات تأخذ بها.

رأي الفقه في الجريمة المستحيلة

كان الفقه قد اختلف اختلافا بيناً بصدد العقاب على الجريمة المستحيلة وانقسم الى اتجاهين وأدى الى خلق و وجود اختلاف فقهي حول الجريمة المستحيلة، والاتجاهات هي الأول يتمثل بأنصار المدرسة التقليدية والثاني يتمثل بأنصار المدرسة الوضعية .

  1. المدرسة التقليدية

ترى هذه المدرسة أنه لا عقاب على الجريمة المستحيلة سواء كانت هذه الاستحالة متعلقة بمحل الجريمة ام بوسيلتها على اساس ان العقاب على الشروع يستلزم البدء في تنفيذ الفعل او محاولة ارتكاب الجريمة وهذا لا يتصور في الجريمة المستحيلة لأنه لا يمكن البدء في تنفيذ فعل من المستحيل ارتكابه ولا يتوافر اي ركن من اركان لجريمة هنا سوى نية الفاعل التي لا يعاقب عليها لشروع فلا يقوم بها وحدها الشروع، فيرى اصحاب النظرية التقليدية ذوي المذهب المادي أنه لا تتوافر الخطورة التي تعرض الحق الذي يحميه القانون للخطر في الجريمة المستحيلة عكس ما هو عليه الحال في الجريمة الخائبة او ما يعرف بالشروع، لكن لا شك بأن عدم العقاب في كافة حالات الإستحالة يؤدي الى إباحة كثير من مظاهر السلوك الخطرة التي تهدد أمن المجتمع[11]. وتؤثر على السلامة العامة على الأفراد.

  1. المدرسة الوضعية

أما الإتجاه الثاني فيتمثل في المدرسة الوضعية والتي سارت على نقيض المدرسة التقليدية والتي رأت وجوب العقاب على الجريمة المستحيلة على اختلاف صورها فالشروع وفقا لهذه المدرسة لا يتوقف عند البدء في تنفيذ الفعل وانما يكفي لقيامه ان يقوم الفاعل بأعمال ما من شانها ان يقطع بنيته على تنفيذ الجريمة حتى لو كانت هذه الاعمال لا تشكل بدءاً في تنفيذ الجريمة ما دام الجاني نفسه يعتقد أن من شان هذه العمال ايقاع الجريمة، فلا يروا ان هناك مسمى للجريمة المستحيلة لان هذا الجريمة شروع معاقب عليه الا اذا كانت الوسيلة التي استخدمها تدل على سذاجته وقصور عقله مثل لو أنه لجأ الى السحر والشعوذة لإرتكاب الجريمة، لأن هذا يدل على ضعف نفسية الجاني وانعدام خطره، على هذا المذهب يرى القضاء في كل من إنجلترا والمانيا، يؤدي هذا الاتجاه الى العقاب حتى على الجريمة الوهمية اي التي لا تقوم الا في تصور الجاني ولا يكون لها وجود قانون .ويرى الباحث بأن اتجاه كل من انجلترا والمانيا الى العقاب حتى على الجريمة الوهمية هو قرار غير صحيح ولا يتفق مع أحكام المنطق والعقل وفيه ظلم على المتهم.

رأي القانون السوري و القانون الفرنسي من الجريمة المستحيلة 

  1. القانون السوري

نصت المادة 202 من قانون العقوبات السوري على ما يلي : 

  1. يعاقب على الشروع و إن لم يكن في الإمكان بلوغ الهدف بسبب ظرف مادي يجهله الفاعل . 
  2. على أن الفاعل لا يعاقب في هذه الحالة إذا أتى فعله عن غير فهم . 
  3. و كذلك لا يعاقب من ارتكب فعلاً وظن خطأ أنه يكون جريمة . 
  • أي أن رفض المشرع السوري الأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة , و افترض كل فعل يبدأ الفاعل بتنفيذه ولا يحقق نتيجته هو شروع , سواء أكانت نتيجته مستحيلة أم ممكنة التحقيق . 
  • إذا قام شخص بفعل ليس بالإمكان بلوغ هدفه عن سذاجة و غير فهم , فلا عقاب عليه . كمن يريد إزهاق روح إنسان عن طريق التعاويذ و السحر 
  • إذا ارتكب شخص فعلاً لا يعاقب القانون عليه و ظن أنه يكون جريمة , فلا شروع ولا عقاب و هذا ما يطلق الفقهاء عليه اسم " الجريمة الظنية " أو " الجريمة الوهمية " 

و بهذا يكون المشرع السوري قد تبنى أحدث النظريات و أكثرها انسجاماً مع الواقع و المنطق القانوني و هي النظرية الشخصية التي نبذت نظرية الجريمة المستحيلة 

  1. القانون الفرنسي 

يظهر أن القانون في فرنسا قد اتبع نظرية تقسيم الجريمة المستحيلة إلى مطلقة ونسبية، فقد قضى بأن لا عقاب على من يشرع في إسقاط امرأة ليست بحامل (النقض 6 يناير سنة 1859) ولا في حالة التسميم إذا استعمل الجاني جوهرًا غير سام. 

وقد يظهر هذا التقسيم بأنواعه في حكم النقض الصادر بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1876 الذي قضى بعقوبة الشروع في سرقة صندوق الصدقات وكان خاليًا، وجاء بإحدى الحيثيات أن هذا الفعل لا يمكن اعتباره من قبيل الاستحالة المطلقة، وقد قضى بالعقوبة على شخص أطلق عيارًا في حجرة شخص كان يعتقد وجوده فيها قاصدًا قتله ولم يوجد بها صدفة (نقض 12 إبريل سنة 1879)، وبني الحكم على نفس الأسباب السابقة. 

وقد زعم بعض الشراح على أن النقض الفرنسي في حكم حديث رجع عن هذه النظرية واتبع المذهب الشخصي في حكمه الصادر بتاريخ 4 يناير سنة 1895، وهي حادثه محاولة لص السرقة من جيب شخص لم يوجد به نقود، ذلك لأن الحكم المشار إليه لم يشر إلى تقسيم الاستحالة إلى مطلقة ونسبية، وجاء بالأسباب أن الجريمة خابت لظروف خارجة عن إرادة الفاعل. 

على أنه قد صدر حكمان من محكمة الجنايات الفرنسية بتاريخ 16 يوليه سنة 1910، و20 مارس سنة 1913, وجاء بأسباب الحكمين الإشارة إلى تقسيم الاستحالة إلى مطلقة ونسبية

 

الخاتمة:

من خلال هذا البحث نلاحظ أن تنظيم الجريمة المستحيلة قانوناً فبعض القوانين قد نصت على العقاب عليها صراحةً بعقوبة الشروع كما هو حال قانون العقوبات السوري ومشروع قانون العقوبات الفلسطيني وقانون العقوبات العراقي، والبعض الاخر من القوانين لم ينص على الجريمة المستحيلة ولم يضع لها تنظيماً ضمن أحكامه.

قائمة المراجع:

  • السراج، عبود. قانون العقوبات القسم العام. دمشق: دار المستقبل للطباعة.1982.
  • السعيد، كامل. الاحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات الاردني. عمان. د.ن. 1981.
  • بهنام، رمسيس. الجريمة والمجرم والجزاء. الاسكندرية: منشأة المعارف.1973.
  • د. محمد الجبور، الجرائم الواقعة على الاشخاص في قانون العقوبات الاردني
  • عبد الوهاب، حومد. المفصل في شرح قانون العقوبات القسم العام. دمشق. د.ن. 1990.
  • عبيد، رؤوف. مبادئ القسم العام من التشريع العقابي المصري. د.م. دار الفكر العربي.1965.
  • مصطفى، محمود. شرح قانون العقوبات القسم العام. القاهرة. مطبعة جامعة القاهرة.1974.
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

3

متابعهم

16

مقالات مشابة