النجم التاقب : السر الدي يلمع في الفضاء
يظلّ الكون من حولنا كتابًا مفتوحًا مليئًا بالأسرار التي تدفع الإنسان إلى التأمل والتفكير. وبين هذه الظواهر الكونية المدهشة يبرز “النجم الثاقب” كأحد أكثر الأجرام إثارة للفضول، سواء من حيث ذكره في القرآن الكريم، أو من حيث تفسيره العلمي الحديث. وقد دفع هذا الاسم الكثيرين إلى البحث حول معناه، وحقيقته، وما يرمز إليه في العلم والكون.

النجم الثاقب هو في أحد معانيه النجم شديد اللمعان الذي يثقب شدّة الظلام بنوره، أو الذي يصدر إشعاعات هائلة تخترق الفضاء. وفي الإطار العلمي الحديث يُربط الاسم غالبًا بما يعرف بـ النجوم النيوترونية أو النجوم النابضة (Pulsars)، وهي نجوم صغيرة الحجم لكنها ذات كثافة رهيبة، تدور بسرعات عالية جدًا وتطلق موجات راديوية منتظمة تشبه النبض. هذه النبضات الحادة تشبه «الثقب» أو «الاختراق» في هدوء الفضاء، مما جعل العلماء يعتبرونها أقرب تفسير لصفة “الثاقب”.
يُعتقد أن النجم النيوتروني يتشكّل عندما تنفجر نجمة ضخمة في نهاية حياتها على شكل مستعر أعظم (Supernova). وبعد الانفجار، ينهار قلب النجم على نفسه حتى تتحول مادته إلى نيوترونات مضغوطة إلى حدّ يفوق الخيال. تخيّل أنك تضغط جبلًا كاملًا ليصبح بحجم مكعب صغير… هذا تقريبًا ما يحدث في النجم الثاقب من ناحية الكثافة.
وتُعدّ جوانب قوّة الجذب في هذه النجوم من أشد القوى في الكون، حتى إن ملعقة صغيرة من مادتها قد تزن ملايين أو مليارات الأطنان على الأرض. لذلك، فإن أي جسم يقترب منها يتعرض لقوة جذب هائلة، لا يستطيع مقاومتها.
وهناك جانب آخر مدهش في هذه النجوم هو سرعتها، فهي تدور مئات المرات في الثانية الواحدة، وبعضها يصل إلى آلاف المرات! هذا الدوران السريع يولّد مجالًا مغناطيسيًا قويًا جدًا، يجعل النجم يرسل إشعاعات في شكل حزمة ضوئية أو موجية. وعندما تمر هذه الحزمة باتجاه الأرض نشعر وكأن النجم “ينبض” بانتظام، تمامًا كنبضات القلب. هذا ما جعل العلماء يسمونها النجوم النابضة.
أما في الجانب الروحي، فإن ذكر “النجم الثاقب” في القرآن الكريم يعطيه بُعدًا آخر أعمق. فقد جاء في سورة الطارق:
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.
وقد اختلف المفسّرون في تحديد ماهيته، لكن أغلبهم وصفه بأنه نجم يُرى ليلاً ويثقب ظلمته بضيائه. وهنا يلتقي المعنى اللغوي مع الاكتشاف العلمي الحديث الذي يرى أن بعض النجوم تبث إشعاعات خارقة وثاقبة فعلًا.
إنّ الربط بين العلم والقرآن ليس محاولة للإجبار، بل هو تأمّل في آيات الكون التي تدعو الإنسان إلى التفكير. فالله تعالى يدعو البشر إلى النظر في خلق السماوات والأرض، وفي كل نجم وكوكب ومجرة، كي يدركوا عظمة الخلق واتساعه.
ويستفيد العلماء اليوم من دراسة هذه النجوم في فهم طبيعة المادة، وسلوك الجاذبية، وحتى البحث عن موجات الجاذبية. كما يُستخدم رصد النبضات القادمة من النجوم النابضة في حساب المسافات الكونية بدقة عالية، لأنها تعمل كـ “ساعات طبيعية” شديدة الانضباط.
ورغم كل ما وصل إليه العلم، يظلّ النجم الثاقب لغزًا يحمل الكثير من الجوانب المجهولة. فما زال العلماء يدرسون تركيب مادته الحقيقية، وطبيعة سرعاته الهائلة، ولماذا تختلف نبضاته من نجم إلى آخر. كل هذه التساؤلات تجعل الإنسان يشعر بتواضعه أمام عظمة هذا الكون.
**
في النهاية، يظلّ النجم الثاقب شاهداً على روعة الخلق، ودليلاً على أن الكون أوسع بكثير مما نتخيل. إنه يذكرنا بأن كل نقطة ضوء في السماء تحمل قصة، وكل نجم مهما بدا صغيرًا قد يخفي داخله من الأسرار ما يفوق قدرات الإنسان على التصور. ومع كل تقدم علمي نحرزه، يبقى هناك المزيد من الغموض الذي ينتظر من يكتشفه، وكأن الكون يقول لنا: ما زال أمامكم الكثير لتعرفوه.