عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953

عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953

Rating 5 out of 5.
2 reviews

 

عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953

في مطلع خمسينيات القرن الماضي، كان العالم الغربي يعرف القليل جدًا عن الإسلام، وخاصة عن شعيرة الحج التي تُعد الركن الخامس من أركان الإسلام. ورغم أن الملايين من المسلمين يؤدون هذه الفريضة كل عام منذ مئات السنين، إلا أن تفاصيلها لم تكن واضحة في الإعلام الغربي، وكان يُنظر إلى مكة المكرمة كمدينة أسطورية محاطة بالغموض، لا يعرف عنها سوى المسلمون أنفسهم.

في عام 1953، ظهر شاب باكستاني يُدعى عبد الغفور شيخ، كان وقتها يدرس إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأمريكية. وخلال إجازته الدراسية، قرر أن يؤدي فريضة الحج. لكن ما ميّز قصته لم يكن أداء المناسك فقط، بل المبادرة الفريدة التي قام بها لتعريف الغرب بهذه الرحلة الروحانية.

 

---

فكرة توثيق الحج بعدسة الكاميرا

قبل سفره إلى مكة، توجّه عبد الغفور شيخ إلى مقر مجلة ناشيونال جيوغرافيك في العاصمة الأمريكية واشنطن. كانت المجلة آنذاك من أبرز المجلات العالمية في مجال التوثيق بالصور والرحلات الجغرافية. عرض عليهم فكرته: “سأذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج، وأريد أن أوثق الرحلة بالصور لتعريف العالم الغربي بها.”

لاقى اقتراحه إعجاب هيئة التحرير، ورأت المجلة أن الفكرة تستحق الاهتمام، خصوصًا أن أحدًا من قبل لم ينجح في توثيق الحج بهذه الطريقة ونشره لجمهور عالمي. وبالفعل، زوّدته المجلة بكاميرتين ملونتين، ليحملها معه خلال رحلته المقدسة.

 

---

رحلة الحج وتوثيق اللحظات التاريخية

سافر عبد الغفور شيخ إلى مكة المكرمة، وهناك أدّى مناسك الحج وسط مئات الآلاف من المسلمين القادمين من شتى أنحاء العالم الإسلامي. لكنه لم يكن مجرد حاجٍ عادي، بل كان أيضًا شاهدًا ومؤرّخًا بصريًا يسجّل تفاصيل المكان والزمان.

قام عبد الغفور بالتقاط صور نادرة لـ:

الكعبة المشرفة وهي محاطة بالحجاج عام 1953.

المطاف والمسعى قبل توسعات الحرم المكي.

الحجاج بملابس الإحرام القادمين من مختلف الدول الإسلامية.

المشاعر المقدسة مثل منى وعرفات ومزدلفة.

 

وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، قدّم الصور إلى مجلة ناشيونال جيوغرافيك، التي نشرتها في نفس العام. كانت هذه المرة الأولى التي يطّلع فيها القارئ الغربي على صور ملونة توثّق فريضة الحج، ما شكّل حدثًا تاريخيًا في عالم الصحافة والتوثيق الديني.

 

---

قيمة الصور التاريخية اليوم

مرت أكثر من 72 سنة على تلك اللحظة، لكن صور عبد الغفور شيخ لا تزال تحتفظ ببريقها وقيمتها. فهي ليست مجرد صور عادية، بل وثائق تاريخية نادرة تمنحنا لمحة عن مكة المكرمة قبل الطفرات العمرانية الضخمة التي شهدتها في العقود الأخيرة.

عندما تشاهد هذه الصور اليوم، تشعر وكأنك أمام مشاهد حيّة من فيلم "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد، حيث تنقل لك الأجواء الروحانية والإنسانية للحج، وتجعلك تتأمل كيف كان الحجاج يلبون نداء الله بقلوب خاشعة في بساطة وزهد.

 

---

الأثر الثقافي والإنساني لتجربة عبد الغفور

ما فعله عبد الغفور شيخ لم يكن مجرد توثيق فوتوغرافي، بل كان رسالة إنسانية وثقافية وجّهها إلى العالم. فقد ساهمت صوره في:

كسر الحواجز المعرفية بين الغرب والعالم الإسلامي.

تقديم صورة إيجابية عن الإسلام بعيدًا عن الصورة النمطية.

توثيق لحظة روحية تُظهر الحج كحدث جامع يوحّد ملايين المسلمين في مكان وزمان واحد.

 

لقد كان عبد الغفور شيخ بمبادرته هذه جسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب، استخدم عدسة الكاميرا لتعريف غير المسلمين بالروحانية العميقة التي يحملها الحج، وليُظهر أن الإسلام ليس فقط عقيدة، بل تجربة إنسانية عالمية.

 

---

مقارنة بين الماضي والحاضر

إذا قارنا صور الحج عام 1953 بما نراه اليوم، نجد فرقًا هائلًا. فقد شهدت مكة المكرمة والحرم الشريف توسعات تاريخية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج، كما تغيّرت البنية التحتية والتنظيم بشكل كبير.

لكن رغم هذه التغييرات، تبقى روحانية الحج ثابتة، فهي رحلة إيمانية لا تتغير عبر الزمن، تعكس خضوع المسلم لربه وتذكّره بأن البشر جميعًا متساوون أمام الله.

 

---

دروس من تجربة عبد الغفور شيخ

قصة عبد الغفور شيخ تعطينا عدة دروس ملهمة، منها:

 

1. أهمية المبادرة الفردية: فكرة بسيطة من طالب شاب أثمرت عن إرث تاريخي لا يزال العالم يستفيد منه.

 

2. قوة الإعلام المرئي: الصور يمكن أن تنقل رسالة أبلغ من آلاف الكلمات.

 

3. التقريب بين الثقافات: التوثيق الإنساني قادر على بناء جسور التفاهم بين الشعوب.

 

 

---

خاتمة

رحلة عبد الغفور شيخ إلى الحج عام 1953 لم تكن مجرد رحلة دينية، بل تحولت إلى محطة فارقة في تاريخ التوثيق الصحفي والديني. فقد نجح شاب باكستاني يدرس في أمريكا في أن يغيّر نظرة ملايين القراء حول العالم تجاه الإسلام ومكة المكرمة من خلال عدسته.

واليوم، بعد مرور أكثر من سبعين عامًا، لا تزال تلك الصور تذكّرنا بقيمة التوثيق، وأهمية أن نُعرّف العالم بروح الإسلام بعيدًا عن الصور النمطية. إنها قصة تثبت أن المبادرات الفردية قد تصنع أثرًا حضاريًا يبقى لعقود طويلة.

image about  عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953
image about  عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953
image about  عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953
image about  عبد الغفور شيخ: رحلة طالب باكستاني وثّقت الحج بعدسته عام 1953
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

3

followings

20

similar articles
-