السلوكيات الخاطئة وتدعيم السلوكيات الإيجابية

السلوكيات الخاطئة وتدعيم السلوكيات الإيجابية

0 المراجعات

السلوكيات الخاطئة وتدعيم السلوكيات الإيجابية

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ومصطفاه وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
مما لا شك فيه أن الإنسان ابن بيئته ، وأنه ابن مجتمعه ، يتأثر بعاداته ويستقي من ثقافته ، ويأخذ منه جُلَّ تركيب شخصيته ، وبالتالي فإن المجتمع حينما يرتكب بعض السلوك الخاطئة ويقع في بعض التصرفات الجانحة فإنه يرتكب خطأ كبيرا في حق الأجيال القادمة ، ويتحمل تلك التبعات التي سيعيشها الجيل القادم ، وماذاك إلا أن هؤلاء الناشئة الذين هم تركيبة الجيل القادم الأساسية إنما يصاغون بقالب المجتمع اليوم ، وينطبعون بانطباعاته العامة ، لا بما يتطلبه الوقت فلكل وقت متطلباته ولكل عصر احتياجاته وإنما في طريقة التفكير وطريقة الوجهات .
ومن الأخطاء التي أرى أن المجتمع قد ارتكبها في حق الناشئة من طلاب وطالبات هو ( ربط التعليم بالوظيفة )! .
وأرجو أن لا يتسرع القارئ العزيز بالحكم قبل إتمام القراءة واكتمال المقال ! .
فهناك فكرة سائدة عند البعض – وأظنهم الأغلب والأكثر – بأنه طالما أنه لا تتوفر تلك الوظيفة المرموقة للطالب بعد تخرجه فلماذا يدرس ؟ ولماذا يتعلم ؟
فعندما يدور الحديث حول مستوى الطلاب العلمي وتحصيلهم الدراسي تسمع من البعض من يقول : إن هؤلاء الطلاب لا يلامون في انخفاض تحصيلهم العلمي وكيف يلامون على عزوفهم عن الدراسة والتعليم وهم يرون زملاءهم الذين سبقوهم بالتخرج ما زالوا من ضمن عداد العاطلين عن العمل بلا وظيفة ؟ قد سمعت في إحدى اللقاءات من يقول بهذا !! وإني لأتعجب ممن يفكرون بهذه الطريقة وينظرون بهذا المنظار ، لأنه متى ما رسخت في ذهن الطالب هذه الفكرة فلن يكون هناك حرص على التعليم والتعلم ، ولن يكون هناك تلك الإبداعات المطلوبة والمأمولة من طلابنا وطالباتنا !!
فتوفر الوظيفة وفرص العمل للخريجين والخريجات أمر يفرح به الجميع والكل يتمنى تحققه والوصول إليه ولا حرج في هذا المطلب ولا عيب ولا عار في من طلب عملا أو وظيفة . إنما لماذا الربط بين التحصيل العلمي وبين هذا ! .
فعلى فرضية عدم توفر الوظائف وفرص العمل للطالب بعد تخرجه أليس للعلم حق بأن يُطْلَبَ ؟
أليس للعلم حقٌ بأنْ يَتْعَبَ الإنسان في سبيله وفي سبيل تحصيله إلا هذه الوظيفة ؟ أليس للعلم فضلٌ ومزيةٌ إلا هذه ؟ ألم ترد الآيات والأحاديث في فضل العلم والعلماء ؟ فلماذا لا نحاول أن نغرس في نفوس الناشئة حب العلم وطلبه وأن يطلب العلم للعلم لا للعمل والتكسب ؟ لماذا لا نحاول أن يكون المجتمع بطلابه وطالباته مجتمع علم وثقافة ومجتمع معرفة ووعي ؟
ومن هنا فإني أهمس في أذن كل أب وكل أم أن يحاولا أن ينهضا بأسرتهما إلى مستوى عال من التفكير وأن لا يكون الهدف من تعليمنا وتعلمنا هو كسب المادة فحسب و لنكن أرفع من هذا المقام وأجل قدرا من هذا الحطام ! ولنحذر من ربط الأبناء والبنات في دراستهم بالوظيفة ولنحثهم على طلب العلم وحبه والاستزادة منه فإن حصلت الوظيفة فخير على خير وإن لم فلنظفر بالعلم فإنه لوحده من أجل المكاسب فالعلم وحده هو الشيء الوحيد الذي أمر الله نبيه أن يطلب منه المزيد كما قال تعالى ( وقل رب زدني علما ) .
فلا زلت أذكر ذلك الأب الذي يشتكي من عزوف ابنه في المرحلة المتوسطة عن الدراسة وعن تكاسله بها وعدم الجد في طلبه ، فقلت له : حاول أن تشجعه وتكثر من الكلام حول الجد والاجتهاد في مسمعه وإن لم يكن الخطاب موجها له فأهم شيئا أن يسمع منك حول هذا الموضوع كلمات ترفع الهمة وتحث على الاجتهاد . فجاءت الإجابة بطريقة لا أريدها ولا أشجعها حيث قال لي ذلك الأب : والله إنني دائما أتكلم معه وأضرب له أمثلة فأقول له : انظر إلى قريبنا فلان إنسان كبير في السن وقد تقاعد من العمل ويستلم ما يقارب من عشرة آلاف ريال وانظر إلى جدك قريب منه في السن والعمر ولا يستلم شيئا وماذاك إلا من أجل الدراسة فقد درس الأول وحصل على وظيفة وجدك لم يدرس ولم يهتم بالدراسة !!!! .
فنظرت إليه فقلت : المشكلة فينا نحن الآباء !!
فقال : وماذا أقول له ؟ وماذا أصنع به ؟ 
فقلت : يا أخي أنت ربطته بهدف معين وهو المادة فسيفكر بطرق أخرى ويقول لك المادة سهلة فيمكن أن أحصل عليها من طريق كذا أو كذا ويبدأ يذكر لك مئات الطرق من تجارة وبيع وشراء وغيرها ، ثم أنت بهذه الطريقة دعوته من حيث لا تشعر إلى انحطاط همته لأن من انحصر هدفه بهذا فلن يتجاوز تفكيره هذا الهدف ؟ فقال وكيف أشجعه وماذا أقول له ؟
فقلت : الطرق كثيرة ولكن حاول أن تكون أمثلتك ذات قيمة فليتك قلت له مثلا يا فلان انظر إلى جدك قد بلغ من العمر كذا ولم يقدم للإسلام و لا للأمة شيئا ولا يعرفه إلا أقاربه فقط ، وانظر إلى الشيخ ابن عثيمين – وكان حيا في حينها – رحمه الله قد خدم الإسلام ونفع الله به الأمة ونفع الله به المسلمين وذاع صيته وانتشر في أصقاع الأرض . وهو قريب من جدك في العمر والفرق بينهما العلم . واجعل حديثك معه دائما في هذا الباب وفي هذا المجال حتى تغرس في نفسه الهمة العالية والطموح الكبير 
فأقول لكل أب وأم وكذلك لكل معلم ومعلمة استنهضوا الهمم وارفعوا الطموحات في نفوس طلابنا وطالباتنا وليعش المربي والمربية هموم أمته وأوضاع مجتمعه فيحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه ومداواة ما يمكن مداواته محتسبا الأجر من الله عز وجل فإنه نعم الرب ونعم الوكيل .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

44

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة