لا للشتم او السب
تعميم الشتائم والسباب في المجال العام ليس عفوية ولا صدقا مع النفس، فليس كل ما يحيك في صدرك يجب أن يخرج للعلن!
أمتلك – مع الأسف الشديد – قاموسا هائلا ومتنوّعا من الشتائم العامية، وهذا بحكم البيئة التي نشأت فيها، وقد أشعر أحيانا بالرغبة بشتم بعض الشخصيات والظواهر، ولكني أضمرها في خاطري ولا أخرجها لأنني أعلم أن المجال الأسري أو المجال العام ليس ملكية خاصة لنفسي الأمارة بالسوء، فثمة آذان مرهفة تسمع وقلوبٌ نقية تعي، ولهذا أكبتُ هذه الرغبة في الشتم.
فكرة أن الأصل في الإنسان أن يقول ما يرغب به ويكون "شفافا" ليست على إطلاقها، فالشفافية المطلقة في الأخلاق تشبه الشفافية المطلقة في الملابس، تخيلوا أن إنسانا بدعوى الشفافية والصدق مع الجسد خرج إلى الشارع عاريا تماما! فإذا كان يجوز له هو أن يرى جسده فإنه يشيع بذلك الفاحشة في المجال العام.
إن فكرة الإسلام في أساسها قائمة على ضبط النفس لا تركها تقود أفعال الإنسان وكلامه كما تشاء {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}، فالنفس بصريح القرآن أمّارة بالسوء {إنّ النفس لأمّارة بالسوء}، وهي "بلهاء غُتْمية مشغولة بالشهوات" كما يقول الحكيم الترمذي. ولهذا كرّم الله الإنسان بالعقل والإرادة وحرية الاختيار، وهذا هو امتحانه الأعظم، أي أن يضبط شهوات نفسه على مقتضى الحقّ والعدل والصدق، فإذا تركها تتحكم به صار أحطّ من الحيوان.
وإني لأعجب من مسلم يفرح لشيوع الفحش في الكلام في المجال العام بحجة أن ذلك صدق مع النفس وقد قال سبحانه {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. وقد قال نبيّنا صلى الله عليه وسلم "ما كان الفحش في شيء قطّ إلا شانه، وما كان الحياء في شيء قطّ إلا زانه". ولو تفكرنا في مفهوم "الحياء" بذاته لأدركنا أنه تعامل مع "الآخر"، وهو يناقض فكرة تعظيم رغبات الذات وتقديمها وعدم اعتبار الآخر، لأنك تتذمّم وتحتشم بدافع الحياء.