
ما تقاومه يستمر
ما تقاومه يستمر
في كثير من الأحيان، نظن أن الطريق للتغلب على مشكلاتنا هو مقاومتها. نخوض صراعًا داخليًا مريرًا مع الخوف، والقلق، والحزن، والمواقف التي لا تعجبنا، معتقدين أن التجاهل أو الإنكار أو الضغط النفسي يمكن أن يُنهي كل ذلك. لكن الحقيقة التي يصعب تقبّلها أحيانًا هي أن ما نقاومه… يستمر.
هذه العبارة البسيطة تحمل في طيّاتها حكمة عميقة، دعونا نستكشفها معًا.
ما المقصود بـ"المقاومة"؟
عندما نقول إننا نقاوم شيئًا، فإننا لا نعني فقط أننا نحاول التخلص منه، بل إننا نمنحه في الوقت نفسه قدرًا كبيرًا من التركيز والانتباه. فعندما تقاوم فكرة معينة تدور في ذهنك، كأن تكرر لنفسك "لا أريد أن أقلق"، فإن عقلك يستمر في التركيز على القلق نفسه. وبطريقة غير واعية، تغذّي هذه الفكرة وتجعلها أقوى.
الأمر أشبه بمحاولة دفع كرة تحت الماء. كلما ضغطت عليها أكثر، زادت مقاومتها لك، وبمجرد أن تضعف، تطفو بسرعة إلى السطح. هكذا هي المشاعر والأفكار التي نقاومها — لا تختفي، بل تعود أقوى.
أمثلة من الحياة
القلق: عندما يشعر الإنسان بالقلق، يبدأ في مقاومته بالتفكير المفرط، أو بالتشتيت، أو بإنكار وجوده. لكن النتيجة تكون مزيدًا من القلق، وربما يتحول إلى توتر دائم أو نوبات هلع.
الحزن: البعض يرفض الشعور بالحزن، ويتظاهر بالقوة طوال الوقت. لكن الحزن الذي لا يُعبَّر عنه يظل عالقًا في النفس، ويظهر لاحقًا على شكل تعب نفسي أو جسدي.
الأفكار السلبية: حين تقاوم فكرة سلبية وتقول لنفسك "لا يجب أن أفكر بهذا"، فإنك تعطي هذه الفكرة قوة أكبر. لأن عقلك لا يفهم "لا" كما نتصور، بل يركز على الشيء نفسه.
القبول هو البداية
البديل الحقيقي للمقاومة ليس الاستسلام، بل القبول الواعي. أن تقول لنفسك: "نعم، أشعر بالخوف الآن"، أو "أنا حزين، وهذا طبيعي"، لا يعني أنك ضعيف، بل أنك تتصالح مع الواقع وتمنح نفسك المساحة للشعور، والتعبير، والشفاء.
القبول لا يعني أن ترضى بالألم إلى الأبد، بل أن تعترف بوجوده كخطوة أولى لفهمه وتجاوزه. كلما سمحت لنفسك أن تشعر دون قيد أو حكم، كلما خفّ تأثير هذا الشعور عليك، وبدأ يتلاشى تلقائيًا.
كيف نمارس القبول بدلًا من المقاومة؟
راقب أفكارك ومشاعرك: لا تحاول الهروب منها، فقط لاحظها. كأنك تشاهد مشهدًا في فيلم.
اسمِ المشاعر بأسمائها: "أنا خائف"، "أنا غاضب"، "أنا متضايق" — التسمية تقلل من قوتها.
تنفّس ببطء: التركيز على التنفس يهدّئ العقل ويعيدك للحظة الحاضرة.
تذكّر أنها مؤقتة: لا شعور يدوم للأبد. كل شيء يمر إن سمحنا له أن يمر.
اكتب أو تحدّث: شارك مشاعرك مع صديق أو في دفتر خاص. التعبير هو نوع من القبول.
لماذا يستمر ما نقاومه؟
لأن المقاومة تمنح الشيء طاقة. عندما ترفض وجود الخوف، فأنت تركّز عليه أكثر. عندما تنكر الحزن، فأنت تحبسه في داخلك. والأفكار والمشاعر المحبوسة لا تختفي، بل تتراكم وتظهر بأشكال مختلفة. بينما القبول يُشبه فتح نافذة للنور والهواء، يسمح لما في الداخل أن يتحرك ويخرج.
في الختام
الحياة ليست دائمًا سهلة، والمشاعر ليست دائمًا لطيفة، لكن مقاومتها لن تجعلها تختفي. بل القبول، والتفهم، والرحمة تجاه أنفسنا، هو ما يفتح باب التحوّل الحقيقي.
تذكّر:
ما تقاومه يستمر... وما تقبله يتحوّل.